لا يصح أن يكون المكان الذي يعيش فيه المرء هو المحدد لحقوقه كمواطن. ولكن في العديد من البلدان، وبالأخص في المراكز الحضرية، تتفاوت جودة الحياة والخدمات العامة بشكل كبير من منطقة جغرافية إلى أخرى. من الممكن أن يتباعد بشكل كبير مستوى الدخل، فرص العمل، أداء المدارس، جودة الرعاية الصحية، توافر البنية التحتية الأساسية (كمرافق الكهرباء والصرف الصحي) وحتى جودة الهواء والمياه الصالحة للشرب من إقليم للآخر، ومن مدينة لأخرى، ومن مجاورة سكنية للأخرى. وتتجلى عدم المساواة المكانية عندما يتركز الفقر وتتدنى الخدمات والبنية الأساسية فى مناطق جغرافية بعينها على نحو يحد من قدرة السكان على تغيير أوضاعهم اقتصاديا واجتماعيا. اللاعدالة المكانية “تؤكد على المنطلقات الهيكلية-المكانية لللامساواة، بشكل يطيل [...] القلق من الفصل الطبقي-المكاني للحدود الجديدة للفراغ الجغرافي” (لوباو وسايينز 2002،499)
هناك ترابط بين مفاهيم كل من الفقر والمساواة والعدالة – والأبعاد المكانية لكل منهم – وعلينا أن نفهم الفروقات بين تلك المصطلحات ونبحث عن الطريقة المثلى لإخضاعها للقياس. الفقر، هو عدد أو نسبة السكان الذين يعيشون تحت مستوى دخل معين يتم تحديده باحتساب تكلفة الاحتياجات الأساسية في مدينة أو إقليم أو بلد معين (غالبًا ما يسمى هذا المستوى بخط الفقر). لكن مفهوم المساواة يشير إلى التوزيع المتماثل للدخول والموارد لجميع الأفراد. أما مفهوم العدالة فهو يركز على التوزيع العادل للموارد آخذًا في الاعتبار الاحتياجات المكانية لكل مجموعة.
في مصر، تغيب فاعلية أدوات التخطيط لأنها لا تعكس بشفافية الاحتياجات الفعلية على مستوى المجتمع المحلي، وهو ما يزيد من صعوبة التعرف على الكثير من أشكال الحرمان القائمة.وعادة ما تركز أدوات التخطيط الاقليمي على إذا ما كان هناك منطقة “غير مخططة” أو “غير آمنة”1 في حين أن العديد من المناطق المصنفة كمناطق مخططة وآمنة محرومة من الخدمات أو تعاني من بنية تحتية متهالكة وخلافه. توظف أدوات التخطيط المالي بمصر من خلال القدر المخصص من الموازنة العامة لمستوى الإدارة المحلية، لتنشأ برامج التنمية المحلية بالأساس.
توزع ميزانيات السلك الوزاري بواسطة كل وزارة لمديرياتها في المحافظات المختلفة، ولا يوجد أي طريقة لمعرفة كيف توزع موارد المديريات على المستوى الإداري الأدنى. بشكل عام، توزيع الموارد المالية لا يعتمد بدرجة كبيرة على مؤشرات الفقر أو الاحتياجات أو الحرمان، في الواقع أن المساومات والمفاوضات السياسية ما بين مسئولي الحكومة والكيانات البيروقراطية غالبًا ما تتغلب على أي حسابات أخرى.
إن الاهتمام الأساسي لمشروع العدالة في التخطيط هو تلك الفجوة بين احتياجات التنمية المحلية والتي يمكن فهمها بشكل أفضل على المستوى المحلي، وبين التوزيع غير العادل للموارد الحكومية في تلك المناطق. يركز مشروعنا تحديدًا على إيجاد أدوات لقياس وتوضيح توزيع الموارد بين المناطق الحضرية و عرضها بشكل مرئي مبسط، لتقييم الحد الأدنى من الموارد اللازمة لضمان استمرار مجتمعات معينة على المدى البعيد، ورفع مستوى العدالة المكانية من خلال معايير واضحة تتناسب مع الاحتياجات المحلية.
في الوضع المثالي ، تعني العدالة المكانية الكاملة أن يحظى جميع المواطنون بفرص نفوذ متساوية للمرافق و/أو الخدمات العامة، كالمدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية والوظائف والمرافق، مقاسة بمسافة البعد و/أو بعدد المواطنين متلقي الخدمة. وهناك تعريف أكثر عمقاً للعدالة المكانية يطرح فرص نفوذ متساوية لاختيار جميع ما سبق، بمعنى أن المواطنين يجب أن يكونوا قادرين على الاختيار بين خيارات التوظيف ومسارات العمل والحياة، اختيار أي مدرسة سيرسلون أولادهم لها دون غيرها، أي مستشفى أو عيادة صحية تلبي احتياجاتهم بشكل أفضل.وهكذا فإن العدالة المكانية هو مفهوم يبحث عن جودة البضائع والخدمات داخل منطقة سكنية بنفس القدر الذي يبحث عن وجودها الكمي.
لوقتٍ طويل، كانت توجهات الباحثين في تحليل اللامساواة ضيقة الأفق. وحتى وقت قريب، كان مستوى الدخل هو المعيار الوحيد الذي استخدمه الباحثون لقياس اللامساواة، وكانت معظم الدراسات تركز على التحليلات الكلية (على المستوى القومي) لللامساواة. ولكن المؤشرات الكلية والتحليل على المستوى القومى لا يرصد الكثير عن الواقع المعاش لللامساواة. أوضحت الدراسات التطبيقية أنه حتى عندما تصبح مستويات الدخول أكثر تساويا على المستوى القومي، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن كل الناس يمكنهم الوصول بشكل متساو إلى الفرص والخدمات العامة أو أن الموارد العامة يتم توزيعها بعدالة وفقًا لاحتياجات المجتمعات.
وهناك مقاييس متعددة الجوانب للفقر والثراء لديها القدرة على تصوير الواقع الحقيقى للناس بشكل أكثر تفصيلا (بيكيتى، 2014؛ شتيجلتز، 2012). ولو أردنا أن نفهم أسباب ونتائج اللامساواة ونحدد مدى عدالة أو عدم عدالة توزيع الموارد، فإن علينا أن نستخدم طرقا للقياس أوسع نطاقا.
بالإضافة إلى ذلك، يظل البعد المكاني للامساواة داخل البلاد لا يحظى بالكثير من التنظير وذلك لأن معظم الدراسات المعنية باللامساواة تركز على المستوى الكلي (ماكرو) عادة ما يتعذر على البيانات التي جمعت على المستوى القومى إيضاح التفاوت الشاسع بين المحليات. وقد ركزت الأبحاث التي تناولت البعد المكاني للامساواة في مصر في أغلب الأحيان على الانقسام بين المناطق الحضرية والريفية، وهو ما يعود في جانب منه إلى تاريخ إعادة توزيع الأراضي في مصر وفي جانب آخر إلى النظريات التي تناولت دور التحديث في التنمية.
بسبب الاعتقاد بأن التحضرن والتحديث سيولدان مستويات أعلى من المساواة، فإن البحث كان يميل إلى التركيز على الفجوات بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية، باعتبار أن المناطق الريفية محرومة من الخدمات والنفاذ للأسواق، وكذلك من “صوت” يعبر عنها مقارنة بالمدن. ولكن، استمرت المدن حول العالم في اثبات غياب عدالتها عن العديد من مواطنيها، خالقةً نوع من الحرمان يمكن ربطه بموقع الفرد داخل المدينة نفسها. تفتقر ديناميكية اللامساواة في المدن المصرية إلى الدراسة بشكل واضح ومفصل، وهناك بالتالي حاجة ماسة إلى القيام بتحليل ديناميكي أكثر تفصيلا من أجل فهم نطاق وأسباب وعواقب اللامساواة الحضرية. يمكننا التركيز والتنظير حول التفاعل بين الأفراد والمجتمعات وأولويات السياسات العامة، وأثر هذا التفاعل على اللامساواة وذلك باستخدام أدوات البحث والمؤشرات على المستوى الجزئي (المايكرو)
في كثير من الأحيان، تؤدي قرارات السياسة العامة إلى خلق أو تشجيع اللامساواة المكانية. ومع ذلك، فإن الوسائل التي تصيغ بها الحكومة القرارات المتعلقة بالسياسات، وتخصص بها الأموال العامة إلى المناطق الحضرية، ليست دائما واضحة. تخلق الحوكمة الحضرية، وهي “الروابط بين الناس والمنظمات والقوانين والممارسات – المرئية وغير المرئية، المقصودة وغير المقصودة” القواعد الرسمية وغير الرسمية لصنع القرار، والتي تحدد أي المناطق تحصل على الموارد وأيها لا تحصل على شيء (مارويل، 2014).
لا يتم اتخاذ القرارات دائمًا بشكل يراعي رفع عدالة توزيع الموارد بين المساحات الجغرافية. في داخل مصر، على سبيل المثال من المفترض أن يتم توزيع ميزانيات التنمية المحلية وفقا لحجم السكان وحجم المنطقة -على الرغم من أنه ليس من المعروف علنًا كيف يتم ترجيح عامل عن الآخر. ولكن في الواقع، يجب على كل حي إداري أن يطلب ميزانياته بشكل رسمي من المحافظ، ويعتمد نجاحهم في كثير من الأحيان على رأس مالهم السياسي وقدرتهم على المساومة. في نهاية المطاف فإنه بغض النظر عما إذا كانت معادلة عدد السكان/المساحة تستخدم أم لا تستخدم في صناعة القرار، تخصص الحكومة الميزانيات المحلية بدون اعتبار لمستويات الفقر أو احتياجات سكان كل حي، كما نرى من الشكل البياني أدناه. تكشف الخريطتان التاليتان أن الأحياء التي تمتص قدر أعلى من نصيب الفرد من تمويل التنمية المحلية (وهى موارد متواضعة في نطاقها وتخصص لرصف الطرقات وإضاءة الشوارع وتحسين البيئة وغيرها من احتياجات المحليات الأخرى من وزارة الإدارة المحلية) ليست هي الأحياء التي يسكنها أكبر عدد من الفقراء. وبعبارة أخرى، لا يوجد تطابق بين الاحتياجات المحلية والموارد التي تخصصها الحكومة لميزانيات التنمية المحلية.
يمكن للحوكمة الحضرية أن تلعب دورا في تحقيق المساواة، و يمكنها أيضًا أن تزيد من الإنتاج الاجتماعي والسياسي لللامساواة (مارويل، 2014). من خلال الكشف عن علاقات القوى الكامنة وراء الإنتاج الاجتماعي والسياسي لللامساواة، نستطيع أن نظهر اللامساواة المكانية، بشكل يجعلها غير قابلة للتبرير علنًا أكثر وأكثر، والدعوة إلى سياسات تهدف إلى تحقيق مدن أقرب إلى التصور المثالي للمساواة والعدالة المكانية الكاملة (لوباو وسايز، 2002،503).
يعتبر سوء توجيه الخدمات والبرامج هو أحد الطرق التي من تدفع بها الحوكمة الحضرية لزيادة اللامساواة المكانية بين المناطق، وتؤدي حتى لخلق ما يسمى بفخاخ الفقر المكانية. قد تعيش أسرة في منطقة ذات متوسط دخول أعلى، وبنية تحتية أفضل وفرص أفضل للنفاذ للخدمات، وربما تشهد ارتفاعًا في مستواها المعيشي مع مرور الوقت. في حين أن أسرة أخرى في منطقة ذات متوسط دخول أدنى، وبنية تحتية أسوأ، وجودة منخفضة للخدمات أو صعوبة في النفاذ اليها، ربما تشهد ركود في مستوى معيشتها أو حتى انخفاضا فيه بمرور الوقت (جالان ورافايون، 1997.2).
تواجه الأسرة التي تقع في منطقة محرومة تحديات فخ الفقر المكاني. فالنفاذ للخدمات الأساسية يساعد على توليد الدخل، مما يمكنه مع الوقت أن يساعد الأسر على التغلب على الفقر ويزيد المساواة المكانية بين المناطق الجغرافية. على سبيل المثال، الأطفال الذين يعيشون في المناطق المحرومة غالبًا ما ينفذون إلى عدد أقل من المدارس، التي بدورها غالبًا ما تكون مكتظة بشكل فائض عن الحد، وسيئة الجودة أيضًا، مما يقلل من فرصهم المستقبلية لتجاوز الفقر (لمزيد من المعلومات انظر في مقال تضامن، “اللامساواة والمناطق المحرومة: التحليل المكاني لفرص النفاذ للمدارس العامة في القاهرة الكبرى“). إذا لم يتم توجيه الاستثمارات العامة إلى المناطق التي هي في أمس الحاجة إلى البنية التحتية والخدمات وفرص العمل، ستكون تلك المناطق غير قادرة على الخروج من الفقر ويرسخ مستوى المعيشة فيها (في أحسن الأحوال) أو ينحدر مع مرور الوقت.
ظهرت حول العالم بحوث جديدة تتحرى عن نطاق وأسباب اللامساواة المكانية في بعض الدول، وبدأت في تقييم مدى اختلاف الدخول ومستويات النفاذ للخدمات وجودة هذه الخدمات عبر المناطق على المستوى الجزئي (المايكرو)، الذي يصل في كثير من الأحيان لمستوى المربع السكني داخل المدينة. وقد كشفت هذه الأجندة البحثية الجديدة التناقضات المثيرة للقلق بين المناطق الجغرافية من حيث انتشار الفقر واللامساواة في الدخل، والحالة الصحية للسكان، ومستوى التحصيل التعليمي، وكذلك جودة الخدمات والقدرة على النفاذ إليها داخل نفس المدينة وذلك في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. إنه من الممكن للمجتمعات المحلية والنشطاء العثور على الأدوات والبيانات لفهم أين يقفون بالمقارنة بالمناطق المجاورة، وأن يدفعوا من أجل سياسات أفضل وقدر أكبر من المساواة حيث أن البيانات على المستوى الجزئي (المايكرو) المختصة باللامساواة المكانية في البلدان المتقدمة غالبًا ما تكون متاحة للجمهور ويمكن للباحثين أن يصلوا إليها بسهولة.
أحد الأمثلة على هذه الأدوات التحليلية هو التصوير البصري لبيانات المناطق الجغرافية التي تمثل تقسيمات التعداد والموضحة لنسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في نطاق مدينة نيويورك، والمستمدة من “مسح المجتمع الأمريكي” الذي قام به مكتب الإحصاء الأمريكي في 2008-2012. كل منطقة مظللة على الخريطة تمثل تقسيم جغرافي واحد في التعداد (يحتوي على متوسط 4000 شخص). في المناطق المظللة بأغمق لون على الخريطة، يعيش 40٪ من الناس أو أكثر تحت خط الفقر. بينما في المناطق المظللة بأفتح لون، يعيش أقل من 10٪ من السكان تحت خط الفقر. في بعض الأماكن على الخريطة يمكننا أن نجد أحياء ذات مستويات الفقر المنخفضة ملاصقة تماما لأحياء ذات مستويات عالية من الفقر.
خرائط مثل هذه تسمح لنا أن نرى بسهولة مدى التركز الجغرافي للفقر واللامساواة المكانية في منطقة معينة على مستوى محلي للغاية. إن الخرائط الجاهزة لجميع المدن الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية متاحة، ومسح المجتمع الأمريكي الكامل يمكن الوصول إليه إذا أراد أحد أن يلقي نظرة على اللامساواة المكانية في أي منطقة أخرى في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، إذا كنت أحد صانعي السياسات أو منظمة غير هادفة للربح أو ناشط أو مواطنا مهتما بالشأن العام وأردت معرفة أي المناطق السكنية ستستفيد أكثر من البرامج والخدمات التي تستهدف مكافحة الفقر، أو أن يعرف كيف يمكن للناس أن ينظموا أنفسهم لتغيير أوضاعهم إلى الأفضل، فالبيانات غالبًا ما ستكون متاحة في متناول يدك. ولكن تحليل البيانات مهما كان مقنعا لا يؤدى بالضرورة إلى سياسات أكثر إنصافًا مع هذا، فإن الأبحاث المبنية على أدلة مدعومة بالحجج المقنعة يمكنها أحيانًا أن تساعد المجتمعات المحرومة على المطالبة بحقوقها وأن تشجع المطالبين بالتغيير داخل دوائر الحكومة والسياسة على القيام بنفس الشيء.
للأسف، ليس الوصول لبيانات مشابهة في مصر بنفس السهولة، أي البيانات على المستوى الجزئي (المايكرو) بشأن الفقر واللامساواة وتوافر الخدمات، مما يحد من فاعلية عملية استهداف المناطق بالبرامج والخدمات، ولا يظهر المشاكل التي تتصدى لها بعض المناطق السكنية معتمدةً على نفسها بشكل كبير. قام العديد من الباحثين ومؤسسات الحكومة بدراسة الفقر واللامساواة في مصر، ولكن ركزت معظم هذه الدراسات على أسباب اللامساواة على المستوى الاقتصادي الكلي (الماكرو/ القومي) في مصر، عوضًا عن تحليل اللامساواة على المستوى المحلي (الأحياء والشياخات).2
حتى عام 2010، ركزت معظم الدراسات المعنية باللامساواة في مصر فقط على غياب المساواة في الدخول (الشواربي، 2014.15). ولكن في الآونة الأخيرة، أخذ العمل في هذا المجال في استكشاف كيف يتفاوت تقديم الخدمات والسياسات والحكم عبر الأماكن، بشكل يخلق ويديم اللامساواة.3 حفزت مشكلة تفشي الفقر في المناطق الريفية في مصر العمل الدقيق للغاية على جمع البيانات وتحليلها فيما يخص تقديم الخدمات على المستوى المحلي للغاية لتحديد أسبابه والآثار المترتبة على اللامساواة في الريف (انظر الطويلة وآخرون، 2014).
ومع ذلك، يبقى القدر الأكبر من الدراسات بشأن تقديم الخدمات في مصر يتم على مستوى المحافظة، مما قد يخفي نطاق اللامساواة المكانية على المستوى المحلي، وخاصة في المناطق الحضرية حيث مستويات اللامساواة عالية. في الواقع، القاهرة لديها مستوى أعلى من اللامساواة من أي محافظة أخرى في البلاد (ميلانوفيك، 2013). إن مستويات اللامساواة الملاحظة في القاهرة تتطلب تحليلا أعمق على المستوى المحلي لتحديد كيف يمكن أن تتفاوت الدخول ومستويات المعيشة ومستوى توفير الخدمات والحوكمة عبر المكان، مما يخلق جيوب الفقر في مناطق معينة دون غيرها.
تهدف مبادرة التضامن للكشف عن نطاق اللاعدالة المكانية الناجمة عن السياسات الحالية والموروثات القديمة من التخطيط العمراني المعيب، فضلا عن التوزيع غير المتكافئ للسلع والخدمات العامة. وهناك عدد من الأسئلة الهامة التي تقوم بتوجيه بحثنا والتي سنقوم بالتصدي لها في المنشورات وأدوات التحليل الخاصة بمشروعنا. لماذا تظل بعض المناطق السكنية محرومة من الخدمات باستمرار، وكيف يمكننا تطوير خطة عمل للتحرك نحو قدر أكبر من العدالة المكانية؟ كيف تختلف الحوكمة الحضرية والسياسات العامة عبر المكان بطرق تميز بعض المناطق وتهمل مناطق أخرى؟ كيف اجتاز السكان القواعد الرسمية وغير الرسمية لصنع القرار في المناطق الحضرية للحصول على الخدمات التي يحتاجون إليها؟ كيف تصنع قرارات تخصيص الأموال العامة، ومن يمكننا مساءلته عن المناطق التي أهملت تاريخيا؟ الأهم من ذلك، كيف يمكن لبحوثنا أن تساعد في توجيه المبادرات العامة والخاصة لتحسين الخدمات والحد من اللامساواة في المناطق السكنية التي تواجه أعنف التحديات؟
ولكن قبل أن نتمكن من كشف أسباب وعواقب اللامساواة، يجب علينا أولا أن نفهم حجم المشكلة. ولهذا، وتهدف مبادرتنا “العدالة في التخطيط” لجمع وتحليل البيانات من أجل رفع الوعي العام بشأن غياب العدالة المكانية في توزيع الموارد العامة بين المناطق الحضرية. وفي سبيل السعي لتحقيق هذا الهدف، فسيقوم المشروع بنشر مجموعة من الأبحاث وتطوير مجموعة من الأدوات اللازمة، لتحديد وقياس ومعالجة مواطن اللامساواة هذه.
يحاول المشروع فهم ومعالجة قضايا اللاعدالة المكانية من منظور “الحق في المسكن الملائم”، وقياس وفاء الحكومة بمكونات هذا الحق، بما في ذلك الضمان القانوني للحيازة، وتوافر الخدمات والمرافق والبنية التحتية، والقدرة على تحمل تكلفة المسكن، وقابليته للسكنى، وإمكانية الوصول إليه، وموقعه وموائمته الثقافية.4 تمثل شمولية الحق في السكن الملائم، من وجهة نظرنا، أداة أفضل لفهم الاحتياجات الفعلية للسكان وتحقيق مستوى مقبول من جودة الحياة في أحياء القاهرة الكبرى المختلفة. حيث سيقدم لنا قياس مستويات استيفاء كل جانب من جوانب الحق في السكن الملائم على مستوى المنطقة السكنية، عدسة تفسيرية جديدة لفهم إقليم القاهرة الكبرى.
واحدة من الأدوات الرئيسية التي نستخدمها للتحليل والتصوير البصري لللامساواة المكانية من هذا المنظور هي نظم المعلومات الجغرافية (GIS). تسمح لنا نظم المعلومات الجغرافية أن نوضح بصريًا التوزيع الجغرافي للفقر، والخدمات، والاستثمارات، وإظهار المناطق السكنية المحرومة. سينتج مشروع “العدالة في التخطيط” مجموعة من الخرائط حول مختلف المؤشرات الخاصة بقياس اللامساواة المكانية باستخدام قدرات نظم المعلومات الجغرافية ، مما سيتيح لنا التصور البصري لكل من تباينات المناطق الحضرية في القاهرة الكبرى في الفقر، والحصول على الموارد والخدمات والاستثمارات العامة. وسيتم توضيح معظم هذه الخرائط على مستوى الشياخة لالتقاط مستويات اللامساواة داخل القاهرة الكبرى بطريقة أكثر تفصيلًا.
سيقوم مشروع “العدالة في التخطيط” بنشر وإتاحة النتائج لصناع القرار بحيث يصبحوا أكثر اطلاعًا على الفجوات التنموية القائمة ومستويات الحرمان في مناطق القاهرة الكبرى المختلفة. سيوفر لهم هذا المشروع الأدوات اللازمة لتطوير سياسات وبرامج أكثر فعالية لاستهداف الفجوات ومستويات الحرمان هذه. من ناحية أخرى، فإن المشروع أيضا سيقوم بتزويد الجمهور بالبيانات والخرائط المرتبطة باللاعدالة الحضرية على مستوى إقليم القاهرة الكبرى، بحيث يكون لديهم فكرة أفضل عن موقف مناطقهم بالنسبة للإقليم ككل ويستطيعوا المطالبة بحقوقهم.
نظرا لأننا استخدمنا بشكل كبير البيانات المتاحة للجمهور والبرمجيات مفتوحة المصدر فى إطار هذا المشروع، فإن هذا يعني أن الجمهور يمكنه أن يتبنى منهجيات العمل بمشروعنا أو يكيفها لتصبح مناسبة أكثر لما يريد تحقيقه، وذلك للتصدي للجوانب الأخرى من اللامساواة التي تهمه أو لإجراء بحوث مماثلة في مناطق أخرى من مصر. من خلال جعل هذه البيانات وهذه الأدوات متاحة، يمكن لمجموعات أخرى نشطة في مصر تقييم احتياجات مناطقهم السكنية، والدعوة إلى توزيع أكثر عدلًا للأموال العامة.
يسعى النهج المراعي للتقسيمات المحلية الصغيرة ، الذي تتبناه مبادرة تضامن، إلى فهم اللامساواة المكانية داخل القاهرة الكبرى. وذلك باستخدام بيانات التعداد وغيرها من البيانات المتاحة، وفي نفس رسم خرائط توضح مستويات الاستثمار العام والتنمية في المناطق نفسها. ويسعى مشروعنا لكشف تعقيد مفهوم اللامساواة المكانية في المدينة، بالتركيز على الطرق التى يمكن فيها للحوكمة الحضرية أن تخلق وتكرس الاختلالات المكانية بين مختلف الأحياء.
يعرف الكثير من الناس في القاهرة أن المناطق السكنية ليست متساوية مع بعضها البعض، وأن بعضها أكثر ثراء ويقدم لسكانه خدمات أفضل، في حين أن المناطق الأخرى ليست كذلك. ولكن حتى الآن، ظلت الكثير من البيانات اللازمة لتمثيل نطاق المشكلة متبعثرة بين المصادر المختلفة. لذا ، تقدم “تضامن” وسيلة مقنعة للتشكيك في نزاهة ومنطق استراتيجيات الاستثمار والتنمية العامة التي تحبذ الأحياء الأكثر ثراء وتتجاهل الأحياء الأكثر فقرا وأكثرها احتياجًا للخدمات وذلك من خلال تجميع وترجمة المعرفة والبيانات التي كان يتعذر الوصول إليها سابقا.
إننا نوفر أداة لسكان القاهرة لفهم طبيعة مناطقهم والطريقة التي تدار بها مدينتهم وذلك من خلال إنتاج البحوث القائمة على الأدلة بشأن نطاق اللامساواة المكانية وأسبابها والنتائج المترتبة عليها وكذلك والتوقيع الجغرافي لللامساواة المكانية على الخرائط. هذه الأداة متاحة أيضًا لصانعي السياسات لقياس الاحتياجات المحددة للمناطق، ولتوجيه سياساتهم وتطوير وسيلة مطابقة أكثر إنصافا وعدلا بين الاحتياجات والموارد في القاهرة.
تتخيل “تضامن” المدينة اللائقة كمكان يكون فيه السكن المناسب والخدمات والاحتياجات الأساسية هي حق لجميع سكان القاهرة، بدلا من الامتيازات الممنوحة للبعض دون الآخر. بلفت الانتباه إلى المناطق المحرومة، وتوفير وسيلة لتقييم احتياجات المجتمعات المحلية في هذه المناطق والتوصل إلى حلول للمساعدة في تضييق الفجوات بين المناطق السكنية وبعضها، فإننا نتخذ خطوة أولى نحو جعل المدينة اللائقة حقيقة واقعة يعيشها الجميع.
المصادر
الشواربي (2014)
Al-Shawarby, S. (2014). The Measurement of Inequality in the Arab Republic of Egypt: A Historical Survey. In P. Verme, B. Milanovic, S. Al-Shawarby, S. El Tawila, M. Gadallah & E.A.A. El-Majeed (Eds.), Inside Inequality in the Arab Republic of Egypt.: Facts and Perceptions Across People, Time and Space (pp. 13-35). World Bank, Washington, D.C.
بلوك، اريكسون وجيراتيكانون (2014)
Bloch, M., Ericson, M., & Giratikanon, T. (2014, January 4). Mapping Poverty in America. The New York Times.
بريكسي، لاست وولكوك (2015)
Brixi, H.P., Lust, E., and Woolcock, M. (2015). Trust, Voice, and Incentives: Learning from Local Success Stories in Service Delivery in the Middle East and North Africa. World Bank Group, Washington D.C.
الطويلة، جاد الله وعبد المجيد (2014)
El Tawila, S., Gadallah, M. & El-Majeed, E.A.A. (2014). Poverty and Inequality in the Arab Republic of Egypt’s Poorest Villages. In P. Verme, B. Milanovic, S. Al-Shawarby, S. El Tawila, M. Gadallah & E.A.A. El-Majeed (Eds.), Inside Inequality in the Arab Republic of Egypt.: Facts and Perceptions Across People, Time and Space (pp. 101-124). World Bank, Washington, D.C.
رافايون وجالان (1997)
Ravallion, M. and Jalan, J. (1997). Spatial Poverty Traps? World Bank Policy Research Working Paper No. 1862.
لوباو وساينز (2002)
Lobao, L., and Saenz, R. (2002). Spatial Inequality and Diversity as an Emerging Research Area. Rural Sociology 67(4), pp. 497–511.
مارويل (2014)
Marwell, N. (2014). Mapping the Social Geography of Inequality. The Social Science Research Council.
ميلانوفيتش (2014)
Milanovic, B. (2014). Spatial Inequality. In P. Verme, B. Milanovic, S. Al-Shawarby, S. El Tawila, M. Gadallah & E.A.A. El-Majeed (Eds.), Inside Inequality in the Arab Republic of Egypt.: Facts and Perceptions Across People, Time and Space (pp. 37-54). World Bank, Washington, D.C.
بيكيتي (2014)
Piketty, T. (2014). Capital in the Twenty-First Century. Harvard University Press.
شوكت (2013)
Shawkat, Y. (2013). Social Justice and the Built Environment: A Map of Egypt. The Right for Housing Initiative.
ستيجليتز (2012)
Stiglitz, J. (2012). The Price of Inequality: How Today’s Divided Society Endangers Our Future. New York: W. W. Norton & Company.
الأمم المتحدة (1991)
United Nations. (1991). The International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights. General Comment 4, The Right to Adequate Housing. E/1992/23, New York, 13 December.
قراءات ذات صلة
عبد الحليم (2014).
Abdelhaliem, R. (2014). Revisiting Growth and poverty Nexus in Egypt with reference to the World Bank Country Partnership Strategies,” Egyptian Initiative for Personal Rights.
عبد الحليم ودياب (2014).
Abdelhaliem, R. and Diab, O. (2014) Budget Transparency: The Missing Economic Necessity in the Case of Egypt,” Egyptian Initiative for Personal Rights.
أسعد ورشدي
Assaad, R. and Roushdi, R. Poverty and Geographic Targeting in Egypt: Evidence from a Poverty Mapping Exercise, Population Council in Egypt, Working Paper 0715.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments