يومياً، تمر آلاف السيارات المسرعة بمحور 26 يوليو الرابط بين قلب القاهرة، وأطرافها المترامية بمدينتي 6 أكتوبر والشيخ زايد. ويخترق “المحور” في المنطقة الواقعة بين ناديي الزمالك والترسانة من جهة، وميدان لبنان من جهة أخرى منطقة “ميت عقبة”. قد يكون كثير منا رأوا “ميت عقبة” أثناء مرورهم العابر أو سمعوا عنها من خلال خبر على صفحات الجرائد فاعتقدوا أنها إحدى مناطق الجيزة العشوائية التي نمت في تحد واضح لحداثة منطقة المهندسين ونظامها العمراني الصارم. ولكنه ما لا يدركه البعض أنهم في تلك اللحظات القصيرة التي يخترقون فيها المنطقة، فإنهم يمرون بأحد أقدم التجمعات العمرانية بمحافظة الجيزة والتي نشأت منذ ما يزيد عن قرن من الزمان لتصبح يوماً ما نواة الحياة بالمنطقة، ومركزاً لإدارة ما حولها من أراض زراعية وأملاك. باختصار، “ميت عقبة” لم تكن يوماً منطقة عشوائية أو خللاً في النظام العمراني القائم، بل كانت هي الأصل ثم نمت حولها تدريجياً منطقة المهندسين. فمنطقة المهندسين بدورها بدأت في النشأة منذ خمسينيات القرن الماضي كمنطقة للفيلات ذات الطابق الواحد ثم بدأت تزداد كثافاتها العمرانية منذ بداية السبعينيات حتى حاصرت منطقة “ميت عقبة” تماماً في يومنا هذا.
ميت عقبة في أرقام
المحافظة: الجيزة
الحي: العجوزة
المساحة: 460.800 متر مربع
عدد السكان: حوالي 96 ألف نسمة حسب أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 2006
حكاية ميت عقبة (النشأة والتطور)
“ميت عقبة” هي في الأصل قرية ريفية، مثلها مثل العديد من المناطق الأخرى بمحافظة الجيزة. كانت “ميت عقبة” حتى النصف الأول من القرن العشرين محاطة بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية من جميع الجهات، قبل أن تتحول جميع هذه الأراضي من حقول خصبة لزراعة القمح والذرة إلى عمارات شاهقة وتقسيمات لمناطق سكنية راقية بدئاً من خمسينيات القرن العشرين. كانت “ميت عقبة” تعرف باسم “منية عقبة”، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى عُقبَة بن عَامِر بن عَبس الجُهنيّ الذي كان أحد الصحابة ووالياً على مصر في عهد معاوية بن أبى سفيان، عاش في القاهرة وتوفى عام 58 هجرية (677 ميلادي) ودفن بالمقطم. وكما جاء في وصف المقريزي فقد أعطاه معاوية أثناء فترة ولايته أرضاً تبلغ مساحتها (ألف ذراع في ألف ذراع) أي ما يعادل حوالي 130 فدان لينتفع منها ويبني عليها مسكناً له ولأولاده، لذا، سميت المنطقة فيما بعد بهذا الاسم.
ورغم التغيرات الكبيرة والمتلاحقة التي حدثت حولها، إلا أن “ميت عقبة” احتفظت حتى يومنا هذا ليس فقط بملمحها العمراني الخاص بالقرية بشوارعها الضيقة ومساكنها المتلاصقة، بل احتفظت أيضاً بأسماء الشوارع التي لا تزال تحمل أسماء كبراء العائلات والعمد الذين تواردوا عليها، ولا يزال نسب معظم ساكنيها حتى الآن ممتداً إلى تلك العائلات العريقة. ظلت “ميت عقبة” محتفظة بطابعها العمراني والاجتماعي، ونظامها التقليدي في الإدارة حيث كان العمدة هو من يقوم بإدارة جميع شئون القرية وكان للدوار أهمية كبيرة في حفظ النظام والأمن وحل الخلافات كما كان من سلطته معاقبة المخطئين أيضاً، ولكن تغير ذلك الأمر فيما بعد، ففي الستينيات من القرن الماضي انتهى العمل بنظام العمودية، وأصبحت “ميت عقبة” تابعة لنظام الإدارة المحلية بمدينة الجيزة حسب التقسيمات الإدارية للدولة، في البداية أصبحت تتبع قسم إمبابة ثم انتقلت تبعيتها إلى حي العجوزة الذي مازالت تتبعه إلى الآن. وشيئاً فشيئاً بدأت المنطقة في التأثر بالطابع الحضري الذي طغى على شكل الحياة من حولها تماماً.
في بداية تسعينات القرن الماضي شهدت “ميت عقبة” بعض التغيرات في تركيبتها السكانية والعمرانية نتيجة انهيار بعض العقارات بالمنطقة أثناء زلزال 1992. حينها، انتقل بعض الأهالي للسكن في مناطق أخرى مثل القطامية ومطار إمبابة. وفى عام 1999 تمت إزالة جزء كبير من المنطقة بطول 250 متر وبعرض 40 متر (شملت مجموعة من العقارات بها حوالي 400 وحدة سكنية) بغرض إنشاء محور 26 يوليو الذي يربط بين وسط مدينة القاهرة ومدينتي 6 أكتوبر والشيخ زايد. تسبب المحور في شق المنطقة بأكملها وتقسيمها إلى نصفين. وكنتيجة لذلك اضطر العديد من سكان المنطقة – الذين نشئوا بها وسكنوها لعقود – إلى مغادرتها إلى مناطق مجاورة مثل البراجيل ومطار إمبابة.
المكان وأهله
للوهلة الأولى، تبدو الحدود الفاصلة بين “ميت عقبة”، وما حولها من مناطق حي المهندسين مثيرة للدهشة. كيف تتواجد تلك المنطقة الصغيرة بمنازلها المتلاصقة وشوارعها الضيقة غير المنتظمة وسط حي المهندسين بعماراته الشاهقة وشوارعه المتسعة؟ لا يمكن تفسير تلك الظاهرة عمرانياً دون إدراك طبيعة النسيج والتركيبة الاجتماعية للمنطقة. فعائلات “ميت عقبة” عريقة وكبيرة ويجمع بينها صلات نسب ومصاهرة، ومن بين كبرائها كان يتم انتخاب عمدة القرية الذي كان يدير كل الشئون الخاصة بحياة الأهالي.
من العائلات التي تولت مقاليد العمودية بالقرية عائلات الشاهد ودعبس وجوهر وغيرها، وما تزال بعض الشوارع تحمل أسماء العمد السابقين. ونظراً لوجود أكثر من عائلة وأكثر من عمدة على مر تاريخ المنطقة، فقد كان يوجد أكثر من دوار بالمنطقة ما تزال مواقعهم معروفة للسكان. فمن الأمثلة المثيرة للاهتمام دوار عائلة الشاهد، الذي مازال قائماً بنفس بنائه القديم حيث تهتم العائلة بالحفاظ على البناء القديم وتجديده كل فترة. ورغم أن الدوار قد فقد دوره القيادي القديم منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أن أفراد العائلة مازالوا حريصين على بقائه مفتوحاً للأهالي لإقامة المناسبات الاجتماعية من عزاء وأفراح بدون مقابل. كذلك دواري عائلة دعبس وعائلة جوهر، ما يزالا قائمين في نفس مكانيهما رغم أن البناء الأصلي قد تهدم، لكن أفراد كلتا العائلتين اهتموا بإقامة بناء آخر حديث في نفس المكان.
الملمح الآخر اللافت للنظر في عمران “ميت عقبة” هو محور 26 يوليو – الذي سبق الحديث عنه – والذي يخترق المنطقة بالكامل ليقسمها إلى جزأين. يطلق الأهالي على الجزء الجنوبي الأصغر “جزيرة ميت عقبة”، وتتواجد به العديد من الخدمات مثل مجمع المخابز والمطافئ والمدرسة. أما الجزء الشمالي وهو الجزء الأكبر، فهو الأكثر حيوية وازدحاماً بالسكان ويوجد به مركز الشباب والسوق التجاري. يشير أحد الأهالي إلى التغيرات التي نتجت عن إنشاء المحور، فقد أثر ذلك سلباً على اتصال أجزاء المنطقة المختلفة وعلاقتها بالمناطق المحيطة بها، مما أثر بدوره على نواحي الحياة المختلفة. فعلى سبيل المثال لم تعد الحالة التجارية بسوق “ميت عقبة” مزدهرة كما كان الوضع سابقاً. هذا السوق الذي كان يخدم سكان “ميت عقبة” والمناطق المجاورة ككل – بما فيها حي المهندسين – أصبح يلعب دوراً أقل عن ذي قبل نظراً لصعوبة الوصول إليه بعد إنشاء المحور. ومع ذلك يظل سوق “ميت عقبة” أحد أهم نقاطها النابضة بالحياة ومن أكثرها ازدحاما حيث يتوافد عليه الباعة والزبائن من المناطق المجاورة.
ومن المشاهدة السريعة لعمران المنطقة، يمكن ملاحظة أن معظم مباني المنطقة سكنية مع وجود بعض الأنشطة التجارية في الأدوار الأرضية. شوارع المنطقة مليئة بالحياة وسكانها يستخدمون الشوارع للجلوس والمسامرة خاصة من بعد العصر وحتى فترات متأخرة من الليل. كما تتواجد على أطراف المنطقة بعض ورش إصلاح السيارات والتي يقصدها سكان المناطق المجاورة لإصلاح سياراتهم. وفي شارع “وادي النيل” – الذي يحد المنطقة من الشرق – تتواجد العديد من مطاعم الأسماك التي يقصدها كثير من سكان المنطقة وأبناء حي المهندسين على حد السواء. وتتركز معظم الخدمات داخل المنطقة حول السوق ومركز الشباب وعلى جانبي المحور.
ومع ذلك تفتقد المنطقة لبعض الخدمات الأساسية مثل المركز الصحي الذي سعى بعض شباب “اللجنة الشعبية بميت عقبة” لتوفيره من خلال تحويل مبنى إداري غير مستغل بشارع “السودان” – الذي يحد المنطقة من الشمال والغرب – إلى مركز صحي لخدمة أهالي المنطقة، وبالفعل، فقد توجت جهودهم بالنجاح وتم افتتاح المركز الصحي في نوفمبر 2011. جدير بالذكر أنه كان يوجد مكتب صحة بميت عقبة ولكن حدثت به بعض التصدعات، فقرر المسئولين هدمه وإعادة بنائه منذ حوالي عشرة سنوات، لكن المفاجأة انه عندما تم بنائه اكتشف الأهالي انه تحول إلى مستشفى خاص للأطفال لا يقدر أهالي ميت عقبة على تكاليفه، وأصبحت ميت عقبة خالية من أية خدمات صحية.
تختلف ارتفاعات مباني “ميت عقبة” بصورة كبيرة عن المناطق المحيطة بها. فنظراً لأن المنطقة أقدم وذات طبيعة ريفية وشوارع ضيقة، لا تتعدى ارتفاعات معظم المباني بها الأربعة أو خمسة طوابق خاصة داخل المنطقة. كما لا تزال بعض المباني الحجرية القديمة ذات الطابق الواحد أو الطابقين متواجدة بالمنطقة. وعادة ما تكون مثل هذه المباني في حالة إنشائية سيئة بسبب تأثير الرطوبة ومياه الصرف على أساساتها. ولكنها تتميز بطابع معماري فريد لا يوجد مثيل له بالمناطق المجاورة. أما المباني الحديثة والتي عادة ما تتواجد على حواف المنطقة – فقد يصل ارتفاع بعضها أحياناً إلى عشرة أدوار.
معظم الأراضي بميت عقبة ملكية خاصة للأهالي، وغالبيتهم من العائلات الكبيرة والمعروفة بالمنطقة وقد ورثوا هذه الأراضي والعقارات عن آبائهم وأجدادهم. كما توجد بعض الأراضي القليلة المملوكة للأوقاف، ويكاد لا يكون هناك أية أراضي فضاء بالمنطقة نظراً لنسبة الإشغال العالية والإقبال على البناء والسكن بها. كما أن الغالبية العظمى من السكان هم ملاك العقارات، مع وجود نسبة قليلة من الإيجارات القديمة والجديدة. ويعمل معظم سكان المنطقة في وظائف خارج المنطقة، عدا أصحاب المحال والورش.
شبكات البنية الأساسية متوفرة بميت عقبة، كما أنه يجري حالياً مد شبكة الغاز الطبيعي بالمنطقة (مارس 2013) وقد أوشكت أعمال هذه شبكة على الانتهاء. لكن الحالة العامة لباقي شبكات البنية الأساسية – من مياه شرب وصرف صحي وكهرباء – متدهورة كحال العديد من المناطق المماثلة وعادة ما تحتاج هذه الشبكات لإصلاحات من آن إلى آخر وذلك بمعظم شوارع المنطقة. ولا تتوفر الإضاءة العامة للعديد من الشوارع مما دعا الأهالي إلى تركيب وحدات إضاءة على واجهات منازلهم لإضاءة الشوارع. فضلاً عن ذلك، أصبح مستوى الطابق الأرضي للعديد من المنازل – وخاصة القديمة منها – أسفل مستوى الشارع نتيجة لأعمال الرصف المتكرر مما تسبب في ارتفاع منسوب المياه الجوفية داخل تلك المنازل. وتعانى الشوارع بدورها من التدهور برغم طبقات الرصف المتراكمة، وبالتالي تتأثر حركة المشاة والسيارات بالشارع. نتيجة لهذا الوضع وخاصة بالشوارع الضيقة، حدا ذلك باللجنة الشعبية بميت عقبة إلى القيام بمبادرة لتبليط عدد من شوارع المنطقة بالإنترلوك باستخدام الموارد القليلة المتوفرة لدى إدارة الحي بعد جهود حثيثة من شباب اللجنة الشعبية والأهالي لاستخدام هذه الموارد فيما يخدم المنطقة.
إيه المهم في ميت عقبة؟
يمتاز موقع “ميت عقبة” بالمركزية وسهولة الوصول منها وإليها. وتتوفر بالقرب منها العديد من وسائل المواصلات التي تتجه إلى جميع أحياء القاهرة، خاصة بعد إنشاء المحور الذي جعل المنطقة في قلب الشريان الرئيسي الذي يصل قلب القاهرة بأطراف المدينة. وتتركز معظم وسائل المواصلات القريبة من المنطقة في شارع أحمد عرابي، وميدان سفنكس، وميدان لبنان. كما أن انخفاض أسعار إيجار الوحدات السكنية بالمنطقة نسبياً عن المناطق المجاورة يجعل المنطقة جاذبة للسكان. ورغم ما يمثله ذلك من تميز للمنطقة إلا أن الإقبال المتزايد على السكن بميت عقبة يشكل ضغطاً على البيئة العمرانية بالمنطقة بسبب ازدياد الكثافة السكانية. ويؤدى ذلك إلى ارتفاع أسعار العقارات مما يشجع البعض على بيع عقاراتهم القديمة لهدمها وتحويلها إلى أبراج سكنية تزيد من الضغط على الخدمات وشبكات البنية الأساسية. رغم ذلك، فإنه من الملاحظ أن الأمر لم يخرج عن نطاق السيطرة حتى الآن، فالقليل فقط من أصحاب الأراضي والعقارات قد قاموا ببيعها في السنوات الأخيرة، وربما يرجع ذلك كما سبقت الإشارة إلى تمسك سكان المنطقة بممتلكات عائلاتهم التي توارثوها أباً عن جد.
فكما سبق الذكر، معظم أهالي “ميت عقبة” تربطهم علاقات أسرية ونسب، وترجع أصولهم إلى العائلات الكبيرة التي استقرت بالمنطقة منذ زمن بعيد، وهم مدركون لتاريخ المنطقة وأصولها، حتى صغار السن منهم. كما أن هناك علاقات اجتماعية بين السكان وبعضهم، فالجار يعرف جيرانه بالشارع والشوارع المجاورة، حيث أن الشارع هو الفراغ الاجتماعي الذي يلتقي فيه الكبار والصغار وتمارس فيه الأنشطة اليومية والعلاقات الاجتماعية.
ساعدت تلك العلاقات الاجتماعية الوثيقة على قيام العديد من المبادرات الشعبية بعد الثورة وعلى استمراريتها. وتعتبر “اللجنة الشعبية لميت عقبة”، المكونة من عدد من شباب المنطقة، من أبرز وأنجح هذه المبادرات، فقد استمروا في تقديم الخدمات والقيام بأنشطة ومبادرات عديدة بعد الثورة، وذلك على عكس لجان شعبية أخرى مثل التي تكونت في شوارع حي المهندسين المجاور وقت الثورة فقط من أجل مواجهة الانفلات الأمني وحماية المنازل والممتلكات ثم لم يظهر لها أي أثر بعد ذلك. كما قام الأهالي، بدعم من اللجنة الشعبية، بتكوين مجالس إدارة ينتخب أعضائها من بين سكان شوارع “ميت عقبة” ليكونوا ممثلين عن الأهالي، وتقديم مبادرات لتطوير المنطقة ومناقشة المشاكل المختلفة.
من الناحية المعمارية، ما تزال هناك العديد من المباني القديمة ذات الطراز المعماري المتميز متواجدة بميت عقبة. تلك النقطة تحديداً تميز “ميت عقبة” عن باقي المناطق المجاورة التي نشأ معظمها في خمسينات القرن الماضي. فمنطقة “ميت عقبة” هي أحد المناطق القليلة بالقاهرة الكبرى التي ما زالت تحتفظ بعمارتها التي نشأت على أطراف المدن والتي تجمع مفردات عمران وعمارة الريف من ناحية (مثل شارع داير الناحية ودوار العمدة)، مع ما تأثرت به من عمارة البندر ومحاولة تقليد عمارة الأحياء الراقية المجاورة من ناحية أخرى. كما يوجد بالمنطقة أكثر من مقام (والمقام هو ضريح على شكل قبة يتم بنائه لأحد الصالحين) ، وهذه الأضرحة مشهورة لدى سكان “ميت عقبة” بالرغم أن تاريخ نشأتها وقصة أصحابها غير معلومة بالكامل لديهم. لا يمكن للعابر سريعاً على المنطقة ملاحظة تلك المباني المتميزة إلا إذا تجول في شوارع “ميت عقبة” الداخلية وحواريها الضيقة. تلك المباني التي تمثل تراثاً معمارياً نادراً، مهددة في كل لحظة بالزوال إلى غير رجعة نتيجة تدهور حالتها الإنشائية بسبب قلة الصيانة وتأثير مشاكل الصرف الصحي عليها.
إيه مشاكل ميت عقبة؟
مثلها مثل العديد من المناطق القائمة الأقل حظاً في القاهرة الكبرى، تعاني “ميت عقبة” من العديد من المشاكل مثل عدم قيام الجهات المعنية بالصيانة اللازمة لشبكات البنية الأساسية، وعدم الانتظام في عملية جمع القمامة رغم قيام الأهالي بدفع الرسوم مع فاتورة الكهرباء مما يجعل القمامة منتشرة بالشوارع الرئيسية وعلى أطراف المنطقة خاصة خلف الجدار الفاصل بين المنطقة ومحور 26 يوليو. ويعتبر تدهور شبكات الصرف الصحي – والتي عادة ما تتجلى في صورة طفح لمياه المجاري وتتسرب لبعض المنازل الواقعة أسفل منسوب الشارع – أحد أهم المشاكل التي تواجه المنطقة. ولكن للأسف لم يتم التعامل مع هذه المشكلة بشكل جذري حتى الآن نظراً لضعف الموارد المتاحة لدى الجهات الحكومية حتى الآن.
وتعانى منطقة “ميت عقبة” ككل – مثل العديد من المناطق الشعبية – من الصورة الخاطئة التي يتم ترويجها عنها بأنها منطقة عشوائية تحدث بها الكثير من الجرائم وربما تمثل خطراً على المناطق المجاورة. وتصل هذه الصورة النمطية غير الصحيحة إلى الإعلام وقد تستغل من قبل الجهات الحكومية لحرمان المنطقة من الحق في الخدمات الأساسية بعكس المناطق الأخرى المجاورة لها.
كما تتزايد الصراعات السياسية بالمنطقة من قبل الأحزاب والمرشحين لمجلس الشعب والمجالس المحلية سواء قبل الثورة أو بعدها نظراً لوجود تيارات سياسية متعددة وعائلات كبيرة تتنافس بينها على المقاعد من أجل تمثيل المنطقة. ولذلك تحرص الأحزاب السياسية على وجود أنصار لها بهذه المنطقة لضمان الحصول على أكبر عدد من الأصوات، ولهذا الأمر وجهان، فقد يدفع ذلك البعض إلى تقديم خدمات حقيقية للأهالي من أجل الحصول على أصواتهم، لكنه في المقابل قد يؤدى إلى صراعات بين الأحزاب السياسية وبين العائلات بغير نفع حقيقي للمواطنين يساهم في تحسين حالتهم المعيشية.
فرص تطوير المنطقة
مع تزايد الوعي السياسي بشكل عام وانتشار ثقافة المطالبة بالحقوق بين المواطنين، تتزايد فرص المنطقة في التطوير، فبعد أن كانت فرصة حدوث أي تطوير أو إدخال أي خدمات إلى المنطقة لا تحدث إلا كل دورة انتخابية – عندما يتسابق المرشحين لتقديم الخدمات للمنطقة – أصبحت هناك جهود شعبية دائمة للمطالبة بتحقيق احتياجات السكان. وتأتى “جهود اللجنة الشعبية لميت عقبة” كأحد أبرز هذه المبادرات، حيث نجح أعضاء اللجنة في التواصل مع الجهات التنفيذية وتقديم خدمات حقيقية للأهالي مما لفت أنظار المسئولين إلى احتياجات المنطقة ودفعهم للاهتمام بها والاستجابة إلى مطالب سكانها.
وقد يساعد الحراك السياسي والمجتمعي الحالي على اهتمام الأحزاب السياسية ومرشحي مجلس الشعب والمجالس المحلية بكسب تأييد أهالي “ميت عقبة” تحديداً لما لهم من قوة تصويتية واهتمام بالشأن العام. ومع وجود اللجان الشعبية كجهة رقابية شعبية وارتفاع وعى المواطنين السياسي، يمكن أن يدفع ذلك بالأحزاب إلى المساهمة الفعالة في تطوير المنطقة وتقديم الخدمات الحقيقية التي يحتاجها السكان على المدى البعيد من خلال تطوير أداء الإدارة المحلية بالمنطقة. ولا تكتفي اللجنة الشعبية المحلية بميت عقبة فقط بمشاكل المنطقة، ولكنها تتواصل مع العديد من المبادرات في المجالات المختلفة للتنمية العمرانية والمجتمعية على مستوى القاهرة الكبرى وهو ما يشكل فرصة كبيرة للتواصل والاستفادة من التجارب الأخرى.
وأخيراً، تمتلك “ميت عقبة” العديد من الموارد منها حراك مجتمعي وسياسي فاعل، وشبكة علاقات اجتماعية راسخة ومتينة، وأهمية اقتصادية بما تقدمه للمناطق المجاورة من خدمات، وعمران شديد الخصوصية ما زال يحتفظ بعبق عمارة متميزة تحمي شبكات المنطقة الاجتماعية من هجمات الحداثة. بقليل من الجهد والوعي يمكن استغلال هذه الموارد للارتقاء بالمنطقة ككل بما يخدم أهلها وما يجاورها من مناطق. فعلى سبيل المثال يمكن تطوير منطقة السوق التي تعتبر مركز هام ونقطة جذب بالمنطقة لما فيها من حركة دائمة، كذلك، صيانة المباني المتميزة وتجديدها والحفاظ عليها كفرصة لتسليط الضوء على قيمة التراث المعماري الموجود بميت عقبة.
إذا قدر لكم يوماً أن تروا “ميت عقبة” من الطائرة، أو شاهدتم خريطة لها وسط المناطق المحيطة بها لظننتم للوهلة الأولى أن ميت عقبة تمثل الـ”خلل” داخل “نظام” حي المهندسين الراقي. لكن في الحقيقة، ميت عقبة هي الأصل. فهي جزيرة ما زالت تحمل سمات عمران حقبة مضت إلى غير رجعة، وسط بحر من عمران حداثي يحاصر المنطقة بعد أن تآكلت تحت عجلاته الحقول الخضراء التي أحاطت بميت عقبة يوماً. ميت عقبة هي “نظام” من نوع آخر توقفنا عن محاولة فهمه. فقد درجنا لعقود طويلة على محاولة استئصال هذا الـ”نظام” من مدننا تحت دعاوى الحداثة، ودأبنا على وصم سكانه بالعشوائية دون إدراك لتاريخهم الطويل وتمسكهم جيل بعد جيل بما يعتبرونه وطناً صغيراً لهم.
ميت عقبة لسه منورة بأهلها.
روابط ذات صلة
الدوار .. آخر قلاع الريف في القاهرة
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
كامل الشيخ Says:
تقرير ممتاز
December 20th, 2014 at 11:16 am