“يوم ماتحصل مشكلة مع مدرس يبعتوه الهجانة كعقاب.”
“احنا عيالنا بتتكسف تقول انها من الهجانة. لو قالوا انهم من عزبة الهجانة العيال التانية تتريق عليهم ويقولوا: ايه المنطقة الغريبة دي؟”
ليست هذه المشاعر نادرة على الإطلاق في مناطق القاهرة اللا-رسمية، والتي يتم تصويرها عادةً في الثقافة العامة التي تنشرها وسائل الإعلام والسينما وما إلى ذلك على أنها وكر للإجرام والبلطجة.
في ستينيات القرن الماضي،عندما قام الرئيس جمال عبد الناصر ومخططو المدن العاملون معه بإنشاء “مدينة نصر”، لم يتوقعوا في الغالب أن تكون منطقه كعزبة الهجانة جزءًا من مدينتهم. اليوم بعد خمسون عام، أصبحت “مدينة نصر”موقعًا للعديد من الوزارات ومراكز التسوق التجارية الفاخرة، في جوار بعض أرقى المجمعات العمرانية في القاهرة. وبالرغم من ذلك، لا يمكننا اعتبارها منطقة للأغنياء فقط بأي حال، بل أن حي “مدينة نصر شرق” يتكون من ٢١ شياخة تضم رسميًا حوالي ٥٧٠٫٠٠٠ نسمة من مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية.١ إحداها عزبة الهجانة، والتي تمثل في اعتقادنا أكثر المناطق تهميشًا في حي مدينة نصر شرق.
الهجانة هي إحدى المناطق اللا رسمية الشهيرة في القاهرة، ربما لأن الملايين يمرون بها كل يوم متجهين من مصر الجديدة ومدينة نصر إلى الطريق الدائري عبر طريق مصر-السويس، وهي توجد أسفل الكوبري الشهير بكوبري الكيلو ٤٫٥ ، وكثيرا ما يشار إليها بنفس الاسم “منطقة الكيلو ٤,٥”.٢
معظم الناس سمعوا عن “الهجانة” دون أن يروها، هذه الشائعات جعلتهم يتحاشونها، خوفًا من التعرض للمخاطر المفترضة عند زيارة “ أسوأ المناطق العشوائية بالقاهرة” - بوصف ما نشرته جريدة الأهرام الرسمية في تحقيقها الصحفي عن المنطقة.٣
في محاولة لتجنب تلك الأحكام المسبقة، يسعى هذا المقال إلى الإجابة على السؤال التالي: ما هو واقع منطقة الهجانة من وجهة نظر سكانها؟
عزبة الهجانة في أرقام
المحافظة: القاهرة
الحي: مدينة نصر شرق
المساحة: حوالي ٧٥٠ فدانا (٣ كيلومترات مربعة ) (بريمر وبويان، ٢٠١٤)
عدد السكان: تتراوح التقديرات بين ٣٩٤٣٢ نسمة وفقًا للتقديرالمتحفظ للتعداد العام للسكان في مصر لسنة ٢٠٠٦ الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وبين تقدير يزيد عن المليون نسمة لإحدى المؤسسات الأهلية، “مؤسسة الشهاب للتطوير والتنمية الشاملة”.٤ بينما اعتبرها الكاتب مايك دافيز واحدة من العشوائيات الكبرى أو “الميجا-عشوائيات” في العالم، حيث قدّر تعداد سكانها بالمليون نسمة (٢٠٠٥).٥
قصة عزبة الهجانة (نشأتها وتطورها)
قطعة الأرض الصحراوية الخالية التي تحولت إلى عزبة الهجانة كانت في يومٍ ما ملكًا للقوات المسلحة يُستَخدَم كثكنات لسلاح “الهجانة” –أي راكبي الجمال- التابع للجيش (وهو السر في التسمية الحالية). ويدّعي بعض الباحثون أن هذا التحول من ثكنة عسكرية إلى منطقة سكنية يرجع لأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي (بريمر وبويان، ٢٠١٤) وكانت المساكن تتركز في الجزء الشمالي من الموقع، المجاور لطريق مصر-السويس.
كانت أصول معظم أعضاء سلاح الهجانة من صعيد مصر والسودان، لذا قاموا ببناء مبانٍ حجرية من دور واحد مسقوفة بالطين ليسكنوها، على غرار مساكنهم الأصلية (الشهاب، ٢٠٠٦) وبالتدريج سمحت الدولة لجنود سلاح الهجانة بدفع رسوم مقابل بناء وحدات سكنية إضافية لعائلاتهم، ولكن ظلت المنطقة تُعامَل كمنطقة عسكرية، مثلما قام البريطانيون بتسكين جنودهم بشكل واسع في موقع مدينة نصر خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر (شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير، بدون تاريخ). وبعد ثورة ١٩٥٢، أدى الانتعاش العقاري في القاهرة إلى تعمير الأراضي الخالية وتطويرها لاستخدامات سكنية وتجارية. قام الرئيس جمال عبد الناصر في عام ١٩٥٩ بإنشاء “الهيئة العليا لمدينة نصر” بقرار جمهوري (والتي أصبحت في وقت لاحق “شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير”) وهكذا تحولت المنطقة الصحراوية الواقعة ما بين مصر الجديدة وبقية القاهرة لما هي عليه اليوم.٦
اجتذب الموقع الاستراتيجي لعزبة الهجانة عمال البناء وعمال الخدمة المنزلية ومجموعات أخرى من الطبقة العاملة التي تحاول الاستفادة من فرص العمل الجديدة في حي مدينة نصر الآخذ في الازدهار (الشهاب، ٢٠٠٦). وتزامن ذلك مع نمو قطاع الإسكان غير الرسمي في مصر على نحوٍ سريع في السبعينات والثمانينات، نتيجة الهجرة الداخلية إلى المدن وتحويلات العاملين في الدول النفطية بالخليج وقلة السكن المتاح بأسعار في متناول اليد. وأدى انخفاض الإيجارات في الهجانة وسهولة الوصول منها إلى بقية مناطق القاهرة، إلى جانب إنشاء محطة أتوبيسات نقل عام في الطرف الشمالي من الهجانة، إلى اجتذاب سكان جدد.٧ وهكذا فإن عملية التوطّن التي بدأت بوضع اليد أساسًا تحولت إلى نظام معقد من تقسيم الأراضي وبيعها دون أوراق قانونية، مما أدى إلى صراعات ومشاجرات عديدة وأيضًا إلى ظهور ما يطلق عليه اسم ”مافيا الأراضي”.
المكان وأهله
تم بناء حي “مدينة نصر” وفقًا لشبكة طرق متقاطعة عمودية على بعضها البعض، وذلك على خلاف الهجانة ذات الشوارع الضيقة والمتعرجة والمباني المتقاربة من بعضها. ورغم التطور غير الرسمي للهجانة إلا أنها قد أُدرِجَت رسميًا كشياخة من شياخات حي مدينة نصرشرق – وفقًا للموقع الألكتروني لمحافظة القاهرة. وبزيارة المنطقة تظهر لنا الكثير من لافتات الشوارع بها، لكن مؤسسة الشهاب الأهلية تدّعي أن السكان هم الذين قاموا بتسمية الشوارع واشتروا اللافتات على حسابهم الخاص.
من الناحية الجغرافية، تحيط بالهجانة أراض ومنشآت عسكرية من كل الجهات (بريمر وبويان، ٢٠١٤). هناك أربعة مداخل للهجانة، اثنان منها في أطرافها الشمالية (على طريق القاهرة-السويس)، وهما مدخل “الكيلو ٤,5″ ومدخل “الصاعقة”، وواحد في الطرف الغربي هو مدخل “التبة” أو “الحي العاشر”، وواحد في الطرف الجنوبي الشرقي هو مدخل “السلاب” (أنظر الخريطة أدناه). هناك عدد من المداخل الأخرى التي يمكن للمرء أن يدخل منها إلى الهجانة ولكنها غير معروفة ولا يستخدمها إلا سكان المنطقة أو من يعرفون المنطقة جيدًا.
قامت المنظمات الأهلية المحلية بتقسيم المنطقة جغرافيًا إلى أربع أجزاء يشار إليها باسم المنطقة (١) والمنطقة (٢) والمنطقة (٣) والمنطقة (٤). ورغم كون هذا التقسيم غير رسمي إلا أنه يستخدم على نطاق واسع للغاية من قبل الباحثين ومجتمع المنظمات الأهلية.
ولكن تلك الأجزاء المختلفة ليس لها أي وظيفة إدارية معنية وليس لها حدود واضحة يتفق عليها الجميع، وكثيرا ما يختلف الأطراف على النقطة التي تبدأ فيها منطقة وتنتهي فيها الأخرى. المناطق التي يسود الاتفاق بشأنها ما بين المنظمات الأهلية والسكان هي المنطقة (١) التي تقع على الطرف الشمالي للهجانة وتشمل منطقة “الكيلو 4,5″ والمنطقة (٤) التي تقع في جنوب الهجانة وتشمل منطقة “السلاب”.
تشق الهجانة خطوط كهرباء الضغط العالي (أنظر الخريطة أدناه)، ويعيش بعض السكان تحت تلك الخطوط –الكابلات- في منطقة من المناطق القليلة في الهجانة التي يمكن للمرء أن يرى فيها عشش إلى الآن. يشير السكان إلى هذه المنطقة باسم “الضغط العالي”، وتعتبر أكثر مناطق الهجانة فقراً.
يستخدم السكان عادة أسماء الشوارع الرئيسية للتعريف بجغرافية الهجانة، تتضمن هذه الشوارع مثلاً شارع الورشة (شمال-جنوب)، وشارع الميثاق (شرق-غرب)، وشارع المدارس (شمال غربي – جنوب شرقي)، وشارع المزرعة (شمال-جنوب)، وشارع الزهور (غرب-شرق)، وشارع العهود، وشارع الصاعقة (وهو يجاور أرض خلاء تابعة للقوات المسلحة وبها منطقة المدارس)، وشارع حسني مبارك (شمال-جنوب).
توجد في عمران الهجانة الكثير من العلامات المميزة ذات الأهمية بالنسبة للسكان، ربما كان أهمها كشك توزيع الخبز ومحطة الأتوبيس عند الكيلو ٤٫٥ بالقرب من المدخل الرئيسي للهجانة. تلك المحطة المزدحمة بالجمهور، والتي تم إنشاؤها في السبعينيات، تمثل محطة “آخر الخط” للكثير من خطوط أتوبيسات النقل العام، وبها أيضا مواقف الميكروباص والميني باص غير الرسمية، وهي تسهل حركة السكان إلى مختلف أجزاء القاهرة. وهناك محطات أتوبيس عديدة في أجزاء أخرى من أطراف الهجانة، مثل محطة التبة في الطرف الغربي، ولكن لا يماثل محطة الكيلو ٤٫٥ في الأهمية غيرها. أما داخل الهجانة، فوسائل المواصلات الأساسية هي التوك-توك أو الشاحنات “الربع نقل”.
هناك مواقع أخرى ذات أهمية للسكان، منها المركز الصحي الواقع قرب منطقة التبة في غرب الهجانة، وأيضا ثلاث مدارس: مدرسة خاصة على شارع “الحدود” بقرب معسكر الجيش (مدرسة الحجاز الابتدائية) ومدرستان عامتان في منطقة “المدارس” (مدرسة المعتز بالله الابتدائية ومدرسة صلاح الدين الإعدادية). الثلاثة مدارس تلك هي في شرق الهجانة ولا يوجد بالهجانة أي مدارس للتعليم الثانوي.
إذا اتجهنا إلى الجنوب الشرقي سنجد المخبز الرئيسي في المنطقة، وهو “فرن علي سالم”، وقهوة شهيرة اسمها “قهوة فلفل”. وفي القسم الجنوبي الشرقي من الهجانة هناك مخازن يمتلكها مصطفى وأحمد السلاب، وهما من كبار رجال الأعمال. عائلة السلاب معروفة في مختلف أنحاء القاهرة بسبب احتكارها النسبي لسوق مستلزمات البناء، ولها عدد من فروع البيع في مدينة نصر، وتحوي الهجانة اثنان من أهم مخازنها. كان مصطفى السلاب عضوًا في برلمان ٢٠١٠ عن حي مدينة نصر شرق وقد ركز أغلب تمويل حملته الانتخابية على الكتلة التصويتية في الهجانة.
معظم المباني في الهجانة سكنية، وهناك بعض الأنشطة التجارية في الطوابق الأرضية، مثل الورش والمقاهي ومحلات البقالة. الكثافة السكانية مرتفعة والشوارع الجانبية ضيقة جدًا، بينما الشوارع الرئيسية عرضها حوالي خمسة أمتار. تتضمن المنطقة بعض العشش المبنية من مواد بدائية كما تضم عمارات خرسانية عالية من عشرة طوابق، وتضم كل ما تتخيله من أنواع المساكن بين هذين النقيضين. تتركز العشش كما ذكرنا سابقًا في منطقة الضغط العالي. أما عن الخدمات، فهناك مركز خدمات جديد تديره القوات المسلحة تم بناؤه مؤخرًا في القسم الغربي من المنطقة لخدمة سكان الهجانة.
من العلامات المميزة الأخرى بالنسبة للسكان، مكاتب المنظمات الأهلية العديدة ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الخيرية. “مؤسسة الشهاب للتطوير والتنمية الشاملة” هي منظمة أهلية مقرها القاهرة وتعمل في الهجانة منذ ٢٠٠١ في المنطقة (١). وهناك أيضًا “كاريتاس” وهي منظمة أهلية أخرى تنشط في المنطقة (٢)، و”المعز” وهي منظمة معروفة يترأسها “سمير دوكو” وهو رجل له شعبية كبيرة في المنطقة (٣). من المنظمات الشهيرة أيضًا “مؤسسة عمارة الإنسان” و”نور المشرق”. كما ترعى المساجد وبعض المنظمات الأخرى أعمالًا خيرية عديدة في مختلف أنحاء الهجانة.
يعكس التكوين الديني لسكان الهجانة المجتمع المصري؛ فغالبية الأهالي من المسلمين وحوالي ١٠ في المائة من السكان مسيحيون. تعود أصول معظم مسيحيو المنطقة إلى محافظة المنيا في صعيد مصر، ولفترة ما كانوا يعيشون في تجمعات شبه مغلقة بقرب الكنيسة ولكن زاد اندماجهم في المجتمع المحيط بهم عبر السنين.
تمثل المساجد والكنائس علامات مميزة ومعروفة في عمران الهجانة، فمن أبرز المساجد في الهجانة مسجد “الحاج شحاتة” ومسجد “الهداية” ومسجد “صهيب الروبي” ومسجد “الشيخ نظير”، بينما تعتبر كنيسة “أبو سيفين” التابعة للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية (القبطية) الكنيسة الرئيسية في الهجانة والتي ينتمي إليها أغلب المسيحيين في مصر. وفقا لإحدى الدراسات، هناك كنيسة أخرى يشار إليها على أنها “الكنيسة والمدرسة السودانية” وهي كنيسة كاثوليكية تخدم مجتمع اللاجئين السودانيين في الهجانة.
تدفق آلاف اللاجئين السودانيين على المنطقة بدءًا من منتصف العقد الأول من القرن الحالي. وقدرت مؤسسة “الشهاب” عدد اللاجئين بحوالي ٤٥٠٠ أسرة في ٢٠٠٩، وهم يتركزون حول الكنيسة في القسم الجنوبي من الهجانة وتضم أيضا تلك المنطقة أعدادا قليلة من اللاجئين الصوماليين، كما اجتذبت مؤخرًا مئات من السوريين اللاجئين بعد اندلاع الحرب في سوريا.
بينما يبدو بأن الهجانة قد أصبحت منطقة تنصهر بداخلها صنوف مختلفة من المجتمعات معًا، نجد العديد منها يميل للانعزال والانغلاق بطريقةٍ أو بأخرى. وقد أحدثت هذه التغيرات الديموغرافية الحديثة نسبيًا شيئا من التوتر في المنطقة، فنجد وصف أحد الباحثين للنزاعات التي حدثت بين المصريين والسودانيين في الهجانة عام ٢٠٠٧ بأنها “قاسيةً، لا هوادة فيها” (لو هويرو، ٢٠٠٧). هذا التوتر قد دفع بعض المنظمات الأهلية للقيام بمشروعات تستهدف تشجيع الإندماج ومحاربة التمييز. وفقًا لمؤسسة “الشهاب” فإن العلاقات بين مختلف المجموعات قد هدأت في الأعوام الأخيرة، ولكن هناك دائمًا تخوف من أنها قد تشتعل مرة أخرى، خاصةً مع وفود مجموعات جديدة من اللاجئين إلى المنطقة في الوقت الذي مازالت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية.
أما بالنسة لسكان الهجانة من المصريين، فإن هناك الكثير من المجتمعات ذات العلاقات الاجتماعية القوية التي أتت من صعيد مصر، بالتحديد عائلات “العوامية” و”الغواصة” وهي من أكبر عائلات المنطقة وتنحدر أصولها من محافظتي سوهاج وقنا بصعيد مصر. في السنوات الأولى من عمر الهجانة، كان معظم السكان لهم صلات بأولئك الذين أتوا من نفس القرية أو المحافظة ولكن الآن العلاقات الاجتماعية أصبحت أكثر تشابكًا بسبب التزاوج بين العائلات.
ليست هناك أماكن عامة كثيرة في الهجانة تصلح للأنشطة الاجتماعية. كثيرون من شباب المنطقة يفضلون ألا يلتقوا في مقاهي المنطقة، وينظرون لها كأماكن تجمع غير ملائمة لهم، لذا فإنه من المألوف بين الشباب أن يقضوا أوقات فراغهم خارج نطاق الهجانة. أما النساء فالمتاح لهن من الأماكن العامة للتنزه والالتقاء ببعضهن البعض أقل من أي فئة أخرى، ولكنهن يتجمعن أحيانًا في حديقةٍ صغيرةٍ خارج المنطقة، مقابلة لمدخل ٤,٥، أو خارج المدارس الحكومية للمنطقة وهن في انتظار أطفالهن.
في كل الأحياء، يميل السكان إلى تفضيل بعض أجزاء الحي عن أجزاءٍ أخرى، ولا تختلف الهجانة عن غيرها في ذلك، فنجد سكان الهجانة يميلون عمومًا إلى إعتبار المنطقة (١) الأرقى اجتماعيًا بين مناطق الهجانة، ربما لكونها المنطقة السكنية الأعرق هناك. تتمتع تلك المنطقة بوحدات سكنية ذات مستوى أفضل وشوارع أوسع كما أنها أكثر أمانًا (وإن كان معظم السكان يعتبرون الهجانة ككل مكان آمن باستثناء بعض المناطق القليلة داخل المجتمع). تعتبرالمنطقة (١) أيضًا هي أكثر المناطق استقرارًا من حيث النزاعات العائلية وذلك نظرا لتركز الكثير من العائلات الأقدم بها، حيث تلعب تلك العائلات دورًا في حل النزاع (الشهاب، ٢٠٠٧). يعتبر كل من شارعي الزهور والعهود في المنطقة (٢) من المناطق المفضلة كذلك، حيث قام المقاولون مؤخرًا بهدم المنازل القديمة واستبدالها بأبراج سكنية عالية يسكنها مرتفعو الدخل وذوو الوجاهة الاجتماعية الملقبون داخل المنطقة ب”المحترمون”. من الواضح أن الكثير من السكان يربطون بين مكانة وأمان منطقة معينة وبين الخلفية الاجتماعية والتعليمية للسكان الذين يعيشون بها، وهو ما يعكس بعض الديناميات الطبقية والوصمات الاجتماعية للطبقات المختلفة داخل مجتمع الهجانة.
من العوامل الأخرى التي تعزز الإحساس بالأمان الشخصي لديهم كذلك، قرب موقع السكن من المنشآت العسكرية، فمجرد تجول أحد شخوص الجيش في منطقةٍ ما يعطي سكانها إحساسًا بالأمان.
خارج المنطقة (١)، تضم بقية الهجانة مناطق أفقر في خدماتها وأضيق في شوارعها (بعضها عرضه ما بين متر واحد ومترين)، وعددًا كبيرًا من المنازل التقليدية ذات الطابق الواحد.
أما عن المناطق اللتي يعتبرها الكثير من السكان أسوأ مناطق الهجانة، فهما منطقتا “الضغط العالي” و”الغجر”. فمنطقة الضغط العالي، كما ذكرنا في بداية المقال، تستمد اسمها من مرور خطوط كهرباء الضغط العالي فوق المنازل (بعضها ليس أعلى بكثير من أسقف البشر). قرب المنازل من هذه الكابلات قد تسبب في حرائق وحوادث صعق كهربائي (خاصةَ خلال الأمطار)، كما يلقي عليه بعض السكان اللوم في التسبب بأمراضٍ معينةٍ لهم. ويعتبر السكان منطقة الضغط العالي أكثر المناطق المحرومة في الهجانة، وهذا لسببين: أولهما أنها تقع في قلب الهجانة وأن خطط الحكومة لشبكات الخدمات -مثل المياه والصرف والكهرباء والغاز الطبيعي – تبدأ من أطراف الهجانة ثم تتجه إلى الداخل لاحقًا؛ وفقًا للسكان فإن مشاريع الخدمات تبدأ عادةً من الشمال أو الجنوب ولكنها دائمًا ما تتوقف قبل الوصول إلى وسط الهجانة، أي قبل منطقة الضغط العالي. بينما السبب الثاني يتصل بتصنيف تلك المنطقة على أنها “غير آمنة” من قِبَل “صندوق تطوير المناطق العشوائية”٨ هذا التصنيف يعني لهم أن الحكومة سوف تقوم بإخلاء المساكن الموجودة بها بالقوة ونقل السكان إلى مناطق أخرى وتدمير مساكنهم، وأن هذا هو السر وراء ممانعة بعض الجهات الحكومية في تقديم الخدمات بتلك المنطقة (وربما تستخدم تلك الجهات تصنيف الصندوق هذا كذريعة لتجاهل المنطقة المذكورة). على سبيل المثال، نجد أن بيانًا صادرًا عن محافظة القاهرة في أغسطس ٢٠١٣ بخصوص منطقة الهجانة، يعلن بوضوح أن خدمة صيانة معينة لن يتم تقديمها إلى المنازل الواقعة تحت خطوط الضغط العالي لأن المحافظة تنوي “إزالتها”.
المنطقة الثانية التي يشير إليها السكان بوصفها “أسوأ” جزء في الهجانة هي منطقة الغجر، تقع منطقة الغجر في الشمال الغربي من الهجانة، بالقرب من منطقة المدارس. ويسكن هذه المنطقة جامعو القمامة الذين يصفهم بقية السكان بأنهم “شخصيات فظة لا تثق بأحد”. تستخدم كلمة “الغجر” كثيرا في مصر بنوع من الازدراء لوصف أولئك الأشخاص المستعدين للإقدام على السرقة لو سنحت لهم الفرصة أوالذين يتصرفون بأسلوب غير لبق، وهو ذات الاستخدام الشائع لتلك الكلمة في أنحاء أخرى من العالم. وبالتالي فإن بعض الجماعات توصف بأنها من “الغجر” برغم أنها لا تنتمي إلي تلك الطائفة من الناحية العرقية. ويستخدم مصطلح “الغجر” عموما للإشارة إلى جماعات عرقية منها “الروما” وهي جماعة معروفة تقيم في أوربا و”الدوم” وهم جماعة أقل شهرة تقيم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتدعى مؤسسة أهلية من الهجانة، أن سكان منطقة الغجر هم في الواقع ينتمون عرقيًا للغجر المصريين وأنهم منحدرون عن طائفة “الدوم”. وفقا “لمركز أبحاث الدوم” المتخصص في دراسات الغجر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يوجد في مصر مليون نسمة من طائفة غجر”الدوم” (أوما يزيد عن مليوني نسمة وفقًا إلى “مشروع جوشوا” لتوثيق الجماعات العرقية)، والذين بدأوا مؤخرا في الهجرة من صعيد مصر إلى القاهرة بحثًا عن الفرص الاقتصادية. وهم يعملون في مهن منبوذة ومنعزلة مثل جمع القمامة وتنظيف الطرقات والشحاذة وأحيانا الفنون الترفيهية.٩ لم يتمكن السكان من تذكر أي خبرات سيئة مروا بها في منطقة الغجر ولكنه يقولون ببساطة إنهم يتجنبونها بسبب الطبيعة “الفظة” لسكانها. وهذا يلقي الضوء مرةً أخرى على نوع الوصمات الاجتماعية التي تلحق بجماعات مختلفة داخل مجتمع الهجانة.
عزبة الهجانة: الجيد والسيء
يتم تقديم مناطق القاهرة اللا رسمية في وسائل الإعلام والدوائر الرسمية بشكل سلبي فقط، ولكن الحقيقة هي أن تلك المناطق قد اجتذبت الملايين من السكان وهو ما يعني أن هناك بعض الميزات للعيش هناك.
بالنسبة لسكان الهجانة، فإنه بالإضافة إلى تقديم مأوى لهم بسعر مناسب، وهو أمر نادر في القاهرة، فإن إحدى الميزات الكبرى للهجانة هو موقعها الاستراتيجي الذي يسهل الانتقال إلى بقية القاهرة. تتمتع الهجانة أيضًا بقدر لا بأس به من الخدمات، فيوجد في الهجانة المياه والصرف صحي والكهرباء، كما وصل إلى بعض أجزائها الغاز الطبيعي، وذلك في إطار خطة حكومية لتوفير المرافق. لا يعني هذا أن تلك الخدمات مثالية – بل أن هناك الكثير من المشاكل المتعلقة بجودة تلك الخدمات ومدى انتظام توافرها– ولكنها تعتبر معقولة عندما يقارنها السكان بمناطق أخرى خارج القاهرة (وبالأخص في صعيد مصر، المكان الذي أتى منه الكثر من سكان الهجانة القدامى).
هناك أيضًا تلك الصلات الاجتماعية القوية التي تربط سكان المنطقة والتي يؤكد الكثير من السكان على أهميتها القصوى. تسكن الكثير من العائلات الممتدة على مقربة من بعضها البعض، كما توجد تجمعات تضم القادمين من قرية معينة، وهو ما يُشعِر السكان بالألفة والأمان. ليست هناك نقطة شرطة واحدة في المنطقة برغم أن السكان يطالبون باستمرار بإقامة نقطة شرطة بمنطقتهم، و لذلك فهم مضطرون للإعتماد على التأمين الذاتي، وينجحون في ذلك بسبب الصلات الاجتماعية القوية في المنطقة.
بخلاف ما سبق، يذكر السكان أن المنطقة تعاني من مشاكل كثيرة أيضًا، وقد يفترض الغريب عن المنطقة أن الإشكالية الكبرى بها هي عدم أمان حيازة المساكن –الناتج عن عدم تسجيل العقارات في تلك المنطقة، بينماالشكوى الأكثر شيوعًا هي الوصمة الإجتماعية التي يعاني منها السكان بسبب المكان الذي يقيمون به، تلك الوصمة تتجلى في أمرين؛ الأول هو أن الغرباء عن المنطقة يعتبرونها وكرًا للمجرمين ويشتكي السكان من أن أطفالهم يتعرضون للسخرية بسبب محل إقامتهم وأيضًا من أن بعض المدارس خارج منطقة الهجانة ترفض قبولهم عندما تطّلع على عناوين إقامتهم، وهو بالطبع شكل قاسي من أشكال التمييز، حيث أن الافتراض القائم هنا هو أن أطفال الهجانة ليسوا مؤهلين للإلتحاق بمدارس من خارج منطقتهم. ويزيد نظام التعليم من تفاقم الأمر عندما يتم إرسال المدرسين إلى مدارس الهجانة كعقاباً لهم عند ارتكابهم للأخطاء. في محاولة للتقليل من هذا التمييز، ناقش بعض السكان احتمال تغيير اسم منطقتهم، وذلك على الرغم من أن اسم الهجانة هو اسم متجذر بعمق في تاريخ المنطقة. الأسماء البديلة التي تتم مناقشتها هي أسماء تعطي السكان إحساسًا بالاعتزاز وقد أقترح بعضهم التخلي عن كلمة “عزبة” التي عادة ما ترتبط بالمناطق اللارسمية في القاهرة (مثلا “عزبة خيرالله أو “عزبة أولاد علام”).
تظهر ايضاً الوصمة في توزيع الموارد العامة. باعتبارها أحد شياخات حي مدينة نصر شرق، يتوقع سكان شياخة الهجانة أن يحصلواعلى نصيبهم العادل من الأموال المخصصة لأعمال الحي، خاصةً من جهة المدارس والخدمات الصحية والاجتماعية وخدمات الشرطة وصيانة المرافق العامة. ويضرب السكان مثلًا بالاحتياجات التعليمية في المنطقة، حيث تعاني مدارس الهجانة باستمرار من الازدحام الشديد برغم أنها تعمل على فترتين (صباحية ومسائية). وبينما تُنفَق ميزانية الحي التعليمية عادة على مناطق أخرى، يبلغ المسؤولون أهالي الهجانة أن عليهم الانتظار حتى تتاح موارد مالية جديدة. وقد طالب الأهالي لسنوات بإقامة مدرسة جديدة ولكن من النادر أن تكسب الهجانة تلك الصراعات الدائرة بشأن الميزانية. وفقًا لسكان الهجانة فإنهم لا يحصلون إلا على الفتات الباقية من ميزانية الحي، وذلك بعد أن تتلقى الشياخات الأخرى التمويل اللازم لكل احتياجاتها.
مما زاد من غياب العدالة في توزيع الأموال المخصصة لأعمال الحي، أن عدد سكان الهجانة يتم تقديره بأقل من الواقع. وفقًا للموقع الالكتروني لمحافظة القاهرة، فإن تعداد السكان في حي مدينة نصر شرق (الذي يضم الهجانة) يبلغ ٥٧١٤٦٥ وهذا أمر مستغرب نظرًا لأن عدد سكان الهجانة وحدها يقدر بما يتراوح بين نصف مليون نسمة ومليون نسمة، وهو ما يفوق تقدير عدد السكان في حي مدينة نصر شرق بأكمله.
جرت العادة في الهيئات الحكومية على التقليل من تعداد السكان في المناطق اللارسمية.١٠ يشير آخر تعداد للسكان (٢٠٠٦) من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن تعداد الهجانة يبلغ ٣٩٤٣٢ نسمة، ويذكر تقرير حكومي حول المناطق اللارسمية أن تعداد الهجانة يبلغ ٣٧٠٩٠ (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، ٢٠٠٨).١١ وبسبب هذا التقدير البالغ الانخفاض لعدد السكان فإن تلك المنطقة التي تضم ما قد يقارب المليون نسمة تتلقى دعمًا في الموازنة مخصص لعدد ٣٩٠٠٠ فقط من السكان، وهو أمر يؤدي إلي حرمانها من نصيبها العادل والمتوازن في الخدمات ومخصصات الميزانية، كما يؤكد أن تلك المنطقة يتم التعامل معها على أساس أنها منطقة من الدرجة الثانية.
على وجه العموم، يشعر السكان بأن مسؤولي الحكومة يهتمون بالهجانة فقط عندما يكونو بصدد التحضير لزيارة أحد الوزراء أو خلال أوقات الانتخابات.
“ وانت فاكر يعني ان لما إدارة الحي يجيلها الميزانية بتبتدي بمدارس الهجانة؟ لا طبعا بتركز على المناطق التانية زي عباس العقاد، و لما نروح احنا نطلب يقولوا الفلوس خلصت استنوا المرة الجاية ” – أحد سكان الهجانة.
بعض السكان طالبوا الحكومة بالاعتراف بالهجانة بوصفها حي مستقل، تماما كما حدث عندما تم تقسيم مدينة نصر إلى قسمين بعد أن زاد حجمها على نحو هائل. يشعر السكان أن حجم المنطقة وتعداد سكانها يعني أنها تستحق أن يكون لها منشأة الحي الخاصة بها وبند خاص في الميزانية، ويشعرون أن وجود حي منفصل لمنطقتهم سوف يعطيها الاهتمام الذي تستحقه.
من شأن خلق حي مستقل باسم “عزبة الهجانة” له إداراته الخاصة أن يساهم في حل مسألة أخرى هامة: وهي تسجيل الملكية وأمن الحيازة. فبرغم أن السكان الأصليين قاموا ببناء مساكنهم على الأرض بشكل قانوني –مقابل رسوم دُفِعت للحكومة- فإن ذريتهم وأيضًا بقية سكان الحي الحاليين ما زالوا يفتقرون إلى أي نوع من الحيازة الرسمية أو التوثيق. وبهذا فإن الوضع القانوني للهجانة يماثل الوضع في الكثير من مناطق القاهرة اللارسمية المبنية في الصحراء، حيث يفتقر السكان لأي شكل من أشكال الحيازة الرسمية. سكان الهجانة أنفسهم هم أول من يعترف بأن مساكنهم تطورت بوضع اليد.
ولكن هذا الوضع غير الرسمي يقترن بقبول ضمني للمنطقة من جهة الهيئات الحكومية، والتي لم تحاول بدورها “تقنين أوضاع” تلك المنطقة. برغم وقوع بعض الاشتباكات مع قوات الأمن الحكومية بشأن الإخلاء في مرات قليلة، فانه لم تتخذ أي خطوات “رسمية” لطرد السكان، كما لم تتم في المقابل أي محاولات لتقنين أوضاعهم. وأحد الأسباب الكامنة وراء صعوبة هذا الموقف ترتبط بتشابك أوضاع الملكية في أراضي الهجانة ١٢؛ فبعض أراضي الهجانة تمتلكها القوات المسلحة وبعضها تمتلكه “شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير” وهناك أيضًا أراضٍ تتنازع عليها هاتان الجهتان في المحاكم منذ ٢٠٠١. وفقًا لبعض الهيئات الأهلية بالمنطقة، فإن هناك نقاشات غير رسمية تدار مع “شركة مدينة نصر” بخصوص إمكانية تقنين الملكية مقابل دفع رسوم، ولكن تلك النقاشات لم تسفر عن أي تقدم حتى الآن، ولم تحدث أي نقاشات مماثلة حتى الآن مع القوات المسلحة بخصوص الأراضي التي تمتلكها، والتي قام السكان بوضع اليد عليها. حل تلك المسألة سوف يتطلب قدرًا كبيرًا من المفاوضات بين مختلف الأطراف ومن الواجب أن تقوم الحكومة بدورها في حماية “الحق في السكن الملائم” لأهالي الهجانة.
الخلاصة
ليس هناك ما يبرر تعرض مجموعة من البشر لمعاملة مختلفة بسبب محل إقامتهم. وللأسف فإن هذا هو ما يحدث للكثيرين من سكان المناطق اللارسمية في مصر، حيث تكثر الإشارة إلى المناطق غير المخططة وغير الرسمية على أنها أماكن مليئة بالمخاطر والفوضى، ولا ينظر إليها بأي حال كمناطق حداثية أو منظمة. في هذا السياق، تشرح سلوى اسماعيل (٢٠٠٦) أنه “في إطار تمثيلها في الثقافة العامة، يتم انتاج صورة ذهنية عن “العشوائيات” باعتبارها “الآخر” الذي يحيا داخل المدينة، فهي مواقع للجريمة والمخدرات والأمراض والموبقات والفساد الأخلاقي والعفن والانحدار”.
يواجه سكان الهجانة الوصمة الاجتماعية لكونهم منتمين لمنطقة لارسمية في الأساس. وبغض النظر عمّا إذا كان الآخرون يعتبرون الهجانة جزءًا شرعيًا من المدينة أم لا، فلا سبيل لسكانها إلا الاستمرار في الكفاح من أجل معاملة أفضل ونصيب عادل ومنصف من الخدمات العامة.
١. بالاستناد على القرار الوزارى الصادر فى ١٩٨٧، تم تقسيم حى “مدينة نصر” عام ١٩٩٩ إلى شقين، هما حى “مدينة نصر شرق” وحى “مدينة نصر غرب”.
٢.كانت مصر الجديدة تمثل أقصى امتداد للقاهرة خلال الستينات من القرن الماضى، وكانت الهجانة تقع على بعد ٤٫٥ كيلومترا بالضبط خارج حدود هذا الامتداد.
٣.تحقيق صحفي بعنوان ” بلطجة وسرقة ومخدرات وعشوائيات أيضا:
العـذاب.. في عـزبة الهجـانة!” نشر في العدد ٤٤٩٢١ من جريدة الأهرام الصادر في ٢ ديسمبر ٢٠٠٩ ، أرشيف الأهرام الإلكتروني.
٤.تقول الباحثة “ساره صبرى” أن زيارة المكان تكفى لكى يدرك المرء أن الرقم الذى ذكره الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء هو رقم “أقل كثيرا من الواقع” (٢٠٠٩) وهى تقدم استعراضا للبيانات المتعارضة حول تعداد الهجانة. وتشير تنائج تعداد ٢٠٠٦ للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء إلى أن تعداد الهجانة هو ٣٩٤٣٣. بينما تشير تقديرات الهيئات الأخرى إلى أرقام أعلى، منها رقم ٢٠٠٠٠٠ المنسوب إلى (الوكالة الألمانية للدعم الفني GIZ)، ورقم ٤٠٠٠٠٠ الذى ذكره (سليمان، ٢٠٠٤) ورقم المليون الذى تذكره عدة منظمات أهلية، وهو ما يجعلها رقم ١٤ فى ترتيب أكبر المناطق العشوائية فى العالم فى رأى دافيز (٢٠٠٥).
٥. من الجدير بالذكر أن “دافيز” لا يقدم مصدرًا للرقم الذى ذكره ولكنه يقول إنه “رجع إلى عدد من المصادر”. (كوكب العشوائيات، ٢٠٠٦، ص. ٢٩)
٦.مع أن شركة “مدينة نصر للإسكان والتنمية” بدأت بصفتها شركة قطاع عام، فإن أسهمها قد طرحت فى البورصة المصرية للإكتتاب العام فى ١٩٩٥، وقامت شركة “بيلتون برايفيت إكويتى” بشراء ٣٠٫٨٨٪ من أسهم الشركة فى ديسمبر ٢٠٠٦. واليوم أصبحت شركة “مدينة نصر للإسكان والتنمية” شركة عقارية كبرى حيث تقوم بمشروعات فى كافة أنحاء القاهرة الكبرى.
٧.ما لبثت خدمة المينى باص والميكروباص أن ظهرت على مقربة من المحطة الرسمية، على غرار ما يحدث فى الكثير من محطات اتوبيسات النقل العام فى مختلف أنحاء القاهرة، مما حول تلك المحطة إلى مركز مواصلات متعدد الخدمات.
٨.يعد “صندوق تطوير المناطق العشوائية” خريطة سنوية توضح المناطق غير الآمنة فى مصر وقد صنّف المنازل الواقعة حول خطوط الضغط العالي على أنها “غير آمنة من الدرجة الثانية” (بمعنى أن الهيكل المادى للمساكن غير آمن) و”غير آمنة من الدرجة الثالثة” (بمعنى أنها تمثل خطرا على صحة سكانها) فى تقرير عام ٢٠١٣.
٩.من المثير للإنتباه أن سكان “الغجر” ليسوا هم الجماعة الغجرية الوحيدة التى أتت إلى القاهرة وسكنت فى الهجانة. ورد فى إحدى المقالات أن الغجر السوريين قد أتوا إلى القاهرة على أمل الذهاب إلى الاسكندرية والانتقال منها إلى دولة أوربية تكون أكثر تقبلا لنمط حياة الغجر) ولكن ليس من الواضح ما إذا كان الغجر السوريون قد اختارا السكنى فى مجتمع الغجر إلى جانب نظرائهم المصريين أو أنهم يقيمون فى مناطق أخرى من الهجانة.
١٠.من المعروف أن الهيئات الحكومية تقوم بتقدير أعداد الفقراء عموما بأقل من الواقع. لتحليل أعمق فى تلك الظاهرة أنظر “خطوط الفقر فى القاهرة: تقدير الفقر باقل من الحقيقة وإساءة تفسيره” (صبرى، ٢٠٠٩).
١١.يذكر التقرير أن تعداد السكان فى مختلف المناطق قد تم بناء على بيانات قدمتها المحافظات.
١٢.فى التصنيفات الأكاديمية للمناطق العشوائية، فإن الهجانة كثيرا ما يتم وضعها فى نفس الفئة مع المناطق المبنية على “أراض صحراوية ملك للدولة” (قارن سيمز، سليمان). ولكن تلك التسمية مضللة نظرا لأنها تعطى الانطباع بأن الدولة هى مجرد جسم واحد متكامل، فى حين أن الواقع هو أن القوات المسلحة ومحافظة القاهرة وشركة “مدينة نصر للإسكان والتعمير” كلها تتعامل مع المنطقة وفقا لأجندات ومصالح متفاوتة.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
menna Says:
عزبة الهجانة منطقةالحرهة
December 9th, 2017 at 2:11 pm