لا تعد مصر من الدول المعروفة بقوة نظام الحكم المحلي بها. بل في الواقع، يعد نظام الحكم في مصر من النظم المركزية للغاية بحيث يعتبر ما يحدث على المستوى المحلي إدارةً محلية أكثر منه حكمًا محليًا. وبالرغم من هذا، تمكنت محافظة المنيا في صعيد مصر -والتي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة- من خلق نموذج فريد ورائد، بإنشاء وحدة التخطيط العمراني للاستشارات الهندسية داخل المحافظة والتي أدارت أعمالها بدرجة عالية من المهنية تضاهي أكبر المكاتب الاستشارية على النطاق المحلي وتمكنت من توفير أموال طائلة للمحافظة. أنشئت الوحدة عام 2005، وبحلول عام 2009 كانت قد وصلت لمستوى مكتب استشاري على درجة عالية من المهنية ينافس أكبر المكاتب الاستشارية بالمحافظة.
غالبًا ما يرتبط الحديث عن موضوع الإدارة المحلية في مصر بالرواية المسيطرة عن غياب الكفاءة والإهمال والفساد. لذا فإن رؤية وحدة محلية تعمل بدرجة كفاءة عالية وتنافس القطاع الخاص يعتبر إنجاز يستحق الحفاوة. بالإضافة إلى أن معظم الأجور داخل الهيئات الحكومية ضئيلة ونادرًا ما يتلقى العاملون بها التدريب اللازم، لذا فانه من الجيد أن نرى وحدة محلية تقوم بتدريب العاملين بها ومكافئتهم بأجور جيدة بشكل يضاهي ما قد يحصلون عليه من مميزات العمل في القطاع الخاص.
يستعرض هذا المقال الإجراءات المحيطة بهذه التجربة وتفاصيلها كخطوة إيجابية نحو التنمية.
بني النهج المصري في الإدارة المحلية متأثرًا بشكل كبير بنموذج الحكم المحلي الفرنسي في القرن التاسع عشر حيث تسيطر المستويات المركزية من الحكومة على المستويات المحليات، بهدف زيادة الدخل القومي الذي يخضع لتصرف الحكومة المركزية وتوحيد البلاد. تقسم مصر إداريًا إلى 27 محافظة، تقسم كل منها إلى مدن ومراكز. ونادرًا ما تجد الهيئات الحكومية على مستوى المحافظة، وبالتالي المدينة والمركز ، الموارد الازمة لإدارة العمل بشكل كفؤ وفعال.
تستضيف المحافظة بداخلها “مديريات” تمثّل الوزارات القومية المختلفة على المستوى المحلي. وتعتبر مديرية الإسكان والمرافق الممثل المحلي لوزارة الاسكان والمرافق، وتحوي بداخلها إدارة التخطيط العمراني التي تمثل بدورها الهيئة العامة للتخطيط العمراني.
قبل إنشاء الوحدة في محافظة المنيا، عملت إدارة التخطيط العمراني على تنفيذ المشروعات الموكلة اليها تحت اشراف مديرية الاسكان والمرافق. في عام 2005، كانت إدارة التخطيط العمراني مكلفة بمهام إعداد المخططات الاستراتيجية للمحافظة والمخططات التفصيلية لجميع القرى داخل المنيا.1 تكونت الإدارة من مدير عام ، وشغلت المنصب المهندسة سعاد نجيب آنذاك، واثنين من المهندسين حديثي التخرج.2 بالتأكيد يتطلب أداء مهمة كبيرة كهذه موارد ضخمة، لذا كان من المعتاد أن تتعاقد المحافظة مع مكاتب استشارية خاصة –مثل المكتب الاستشار الهندسي لجامعة المنيا- لتنفيذ المهام التي تحتاج لموارد لا تمتلكها المحافظة، مما امتص قدر هائل من تمويل المحافظة ولم يستفيد من فريق العاملين بادارة التخطيط العمراني أو ينمي قدراتهم بأي شكل من الأشكال.
بعد مناقشة فريقها، اكتشفت المهندسة سعاد نجيب أن المهندسين العاملين معها ينتون البقاء في الإدارة لمدة ستة أشهر فقط حتى يصبحون موظفين مثبتين بعقود دائمة ومن ثم يطالبون باجازة غير مدفوعة الأجر ، ويتوجهون للعمل بالقطاع الخاص.3 لم يكن هذا مفاجئًا نظرًا لكونهم يتقاضون شهريًا من الحكومة راتبًا أساسيًا يقدر بمبلغ 165 جنيه، بينما متوسط ما قد يتقاضونه في القطاع الخاص يبلغ من ألفان إلى ثلاث آلاف جنيه شهريًا.
كما وجدت المدير العام أيضًا أن مستوى جودة العمل الذي يقوم به فريقها عالي للغاية، فلم تتفهم المنطق وراء ترك كفاءات كهذه تذهب للقطاع الخاص، ثم تقوم المحافظة بالاستعانة بخبراتهم –بشكل غير مباشر- من خلال المكاتب الاستشارية الخاصة التي يعملون بها. فقامت باطلاع محافظ المنيا وقتها اللواء حسن حميدة على المشكلة والبدأ في مشاورة كيفية الإبقاء على هذه الكفاءات للعمل داخل المحافظة. كان السؤال الرئيسي هو: إن كانت المحافظة تستعين بمكاتب استشارية خارجها لتنفيذ المشروعات، لما لا يمكن إنشاء مكتب استشاري داخل المحافظة للعب نفس الدور؟
اعتمدت الفكرة على خلق مكتب استشارات داخل المحافظة نفسها، فتستعين به بدلا من تعيين مكاتب خاصة ، باحتذاء نموذج المكتب الاستشاري الهندسي التابع لجامعة المنيا. سيقوم هذا المكتب بالعمل بشكل مهني ويهدف إلى انتاج أعمال بمعايير كفاءة عالية من خلال تدريب العاملين به بشكل مكثف، وتقوية موارده باستمرار. كما سيقوم بدفع رواتب موظفيه بما يضاهي رواتب القطاع الخاص. وبناءًا عليه، في 2005 قررت مديرة إدارة التخطيط مع محافظ المنيا انشاء مكتب استشارات داخلي مماثل لهذا النموذج، وبهذا تم انشاء “وحدة التخطيط العمراني للاستشارات بمحافظة المنيا”.
لكون هذه الوحدة سابقة لم تحدث في مصر من قبل، كان من الضروري للغاية استيعاب النواحي القانونية والمالية المطلوبة لتيسير عمل الوحدة. قامت المحافظة بتعيين مستشار قانوني لتحضير المستندات اللازمة للتأكد من أن الوحدة الجديدة ستكون سليمة من الناحية القانونية. وكان القرار بأن تنشأ وحدة التخطيط العمراني للاستشارات الهندسية بمحافظة المنيا كمشروع ذا طبيعة خاصة، يستطيع تحصيل ربح للمحافظة. على أن تستفيد الوحدة من موارد المحافظة المتاحة، وتدر عليها دخلًا في نفس الوقت، مما أُعتبر فائدة مضاعفة. بالإضافة لذلك ستوفر الوحدة حافزًا لفريق المهندسين الكفؤ للبقاء للعمل داخل المحافظة بدلًا من الذهاب للقطاع الخاص. وبناء عليه، تم إنشاء وحدة التخطيط العمراني للاستشارات على غرار النموذج الإداري والمالي المعمول به في المشروعات ذات الطبيعة الخاصة في المحافظة. ويُعتبر أحد أهم مميزات هذا النموذج هو إمكانية فتح حساب مالي مستقل للوحدة يفصلها عن بقية حسابات المحافظة.
عُيّن للوحدة مجلس إدارة على رأسه محافظ المنيا، وأوكلت له مهام تسيير الأعمال والقرارات الخاصة بالوحدة. ضمّ مجلس الإدارة أعضاء متخصصين في المالية والقانون والتخطيط وأكاديميين وتقنيين، على أن تسلم تقارير عن جميع أنشطة الوحدة لمجلس الإدارة لاعتمادها. صدر بإنشاء الوحدة رسميًا قرار إداري من المحافظ، كما صدرت لائحة مفصلة بالمهام والمسئوليات لجميع العاملين بالوحدة. وأصبحت الوحدة مكلفة بتقديم خدمات التخطيط العمراني للمحافظة، على أن يتم التعاقد مع الوحدة لتنفيذ المشروعات من قبل المحافظة كما يتم التعاقد مع أي استشاري خاص خارجي.
كلفت مدير عام إدارة التخطيط العمراني –سابقًا- المهندسة سعاد نجيب بإدارة الوحدة الجديدة، وتم ندب مهندسين إدارة التخطيط العمراني للعمل في الوحدة، مقابل مبلغ مالي إضافي. 4 كما سيكون للوحدة الحق في نسبة من أرباح المشروعات التي تنفذها، مما سيتيح زيادة مقابل العمل المالي للموظفين.5
بدأت الوحدة أولى خطواتها بالاستعانة باستشاري لتقديم تدريب مكثف للموظفين على كيفية إعداد المخططات التفصيلية وتنفيذ المسوح واستخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS) وإدارة المشروعات. وتم إنشاء وحدة للمسوح العمرانية داخل وحدة التخطيط العمراني للاستشارات، مجهزة بأجهزة نظام تحديد المواقع (GPS) ومعدات أخرى. وأخيرًا، تم تسجيل الوحدة رسميًا كأحد المكاتب الاستشارية المسجلة لدى الهيئة العامة للتخطيط العمراني وفق الإجراءات الرسمية المتبعة، لتكون جميع المشروعات التي تقوم بها الوحدة معتمدة رسميًا.6
في بداية إنشاء الوحدة في 2005، حوّل المحافظ مبلغ ابتدائي من ميزانية المحافظة الى الحساب الخاص للوحدة لتغطية التكاليف الأولية لإجراءات الإنشاء إلى أن تصبح الوحدة قادرة على جلب الإيرادات. فيما عدا ذلك، استغلت الوحدة الموارد المتاحة بالفعل لإدارة التخطيط العمراني والمحافظة، بما في ذلك من مقر وفريق عمل ومعدات أساسية.
بدأت الوحدة في تنفيذ الاستشارات الهندسية –التي كانت توكل من قبل للمكاتب الاستشارية الخاصة- وبدأت في جلب إيرادات، حتى وصلت في النهاية لتحقيق أرباح. حاليًا، يذهب 30% من الربح إلى تطوير الوحدة، وذلك من خلال تدريب العاملين أو شراء معدات إضافية على سبيل المثال، كما توزع نسبة من الأرباح على العاملين، والنسبة المتبقية تذهب لصندوق خدمات المحافظة الذي يصرف بدوره على توفير الخدمات لمدن وقرى المنيا.
عمل هذا كله على توفير التكنولوجيا اللازمة للعمل ومنافسة المكاتب الخاصة، مما مكن الوحدة من تنفيذ مشروعات بكفاءة عالية والتعاقد مع خبراء لتقديم الدعم في المهام التي لا تستطيع الوحدة تنفيذها مباشرة. وبحلول الوقت الذي تركت فيه المهندسة سعاد نجيب الوحدة للعمل في صندوق تطوير المناطق العشوائية في القاهرة، كانت ميزانية وحدة التخطيط العمراني للاستشارات الهندسية قد وصلت لحوالي 15 مليون جنيه مصري. واليوم، قد وصل حجم محفظة مشروعات الوحدة لحوالي مليار جنيه مصري.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه المبادرات المبتكرة داخل الحكومة عادة ما يكون في صعوبة إيجاد صانع قرار متفتح يرحب بالانحراف عن طرق العمل التقليدية المعتادة. ولكن من حسن الحظ، لم يواجه إنشاء وحدة التخطيط العمراني مثل هذا التحدي نتيجة إبداع وبصيرة المديرة العامة لإدارة التخطيط العمراني ولمحافظ المنيا آنذاك. كانت الصعوبة الرئيسية تكمن في تعقيد إنشاء نظام قانوني ومالي ملائم للوحدة، والتأكد من أن جميع أوراقها سليمة. علمًا بأن الوحدة تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات. في أيامها الأولى، كانت مراجعات المركزي للمحاسبات متكررة بشكل خاص، يرجع هذا بقدر إلى كون الوحدة جديدة، وأيضًا لتلقي المركزي للمحاسبات شكاوى من كيانات منافسة. سارت جميع المراجعات بسلاسة ونجاح نظرًا لأن الوحدة أصرت على الاهتمام بشدة بسلامة مستنداتها وأوراقها الرسمية.
أمّا عن نتائج عمل الوحدة، فقد نفذت الوحدة مشروعات عديدة تتضمن إعادة ترسيم الأحوزة العمرانية للمحافظة بأكملها باستخدام الصور الجوية تحديد حدود الامتدادات العمرانية القديمة والجديدة. كما نفّذت الوحدة مشروعات إنشائية كبرى، فيما بينها إنشاء كوبري وتطوير نفق في مدينة المنيا. كما أقامت مخبرين لإنتاج وتوزيع الخبز المدعّم. أقيم المخبر المركزي الأول في مركز سمالوط ويوزع ما يقرب من مليون رغيف يوميًا. وأقيم الثاني بالمنطقة الصناعية بمدينة المنيا الجديدة، وكان الهدف من بنائه هو الاستفادة من معاشات الصندوق الاجتماعي للتنمية في المنيا حيث كان مكتب الصندوق بالمحافظة يتلقى مبالغ مالية شهرية لا يتم الاستفادة منها بشكل جيد. كانت الأموال توضع في حساب بنكي وتترك لتدر فائدة، ولكن فريق وحدة التخطيط العمراني بالمنيا رأى أنه من الممكن استثمار الأموال فيما يعود بالنفع على المجتمع ويدر دخل للصندوق الاجتماعي للتنمية، مما سيزيد مجموع المعاشات التي يتلقاها المستفيدين بعد التقاعد. لذا قررت وحدة التخطيط العمراني بالمنيا إنشاء مخبزًا صغيرًا للخبز المدعّم، والذي كان ناجحًا للغاية في توليد عائد للاستثمار لصالح الصندوق الاجتماعي للتنمية.
مشروع آخر من مشروعات الوحدة، هدف إلى إعادة إحياء قطعة أرض خالية مملوكة للمحافظة اعتاد الناس استغلالها كجراج للسيارات ومساحة للتخزين. كانت الأرض تقع في موقع حيوي للغاية ولكن أسيء استغلالها، فاقترح فريق وحدة التخطيط العمراني إنشاء مبنى سكني خاص عليها. بحيث تأتي تكلفة الإنشاء من صندوق الإسكان بالمحافظة ثم يودع عائد بيع الوحدات السكنية في نفس الصندوق –صندوق الإسكان. تكلف الإنشاء إجمالي مليون جنيه مصري، ثم تم بيعه بإجمالي 8 ملايين جنيه مصري، محققًا ربح 7 ملايين جنيه مصري لصندوق الإسكان تم تخصيصها لتمويل مشروعات الإسكان المدعم.
قامت الوحدة ببناء مباني سكنية أيضًا في مركز مطاي، ومجمع مباني في بني مزار. وكذلك مدينة للحرفيين، كمكون من مشروع بالتعاون مع وزارة التعاون الدولي. وأقامت مركز تجاري على امتداد سور نادي المنيا الرياضي للاستفادة منه. وكذلك مبنى اداري لأحد مشروعات المحافظة، وآخر لتسكين العاملين في مشاريع مديرية الزراعة.
كما قامت الوحدة بتجديد منطقة تاريخية هامة تدعى “شهداء البهنسا” والتي تضم مواقع أثرية إسلامية وقبطية ورومانية ولكنها تدهورت عبر الزمن ، ولم تكن تحظى سوى بصيانة متواضعة إن لم تكن منعدمة. تعاونت الوحدة مع هيئة تنمية السياحة والهيئة الهندسية للقوات المسلحة لتطوير المواقع الأثرية والمساحات المفتوحة بالمنطقة، وكذلك تشجيع السياحة عبر إنشاء بزارات وكافيتريات. وبالقرب من منطقة البهنسا، قامت الوحدة بتطوير قرية البهنسا الجديدة، إحدى قرى الظهير الصحراوي، ويعيش بها اليوم حوالي 5000 شخص، أغلبهم من الشباب، وخصصت الوحدة لكل منهم 5 فدانين من الاراضي للاستصلاح الزراعي.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الوحدة كانت تراعي في تنفيذ مشروعاتها الحفاظ على الطابع المعماري للمدينة وتناغم عمرانها، وهو الأمر الذي يعتقد فريق الوحدة أنه يميزها عن القطاع الخاص.
نفذت وحدة التخطيط العمراني بالمنيا العديد من المشروعات الأخرى، وإلى يومنا هذا ما زالت وحدة التخطيط العمراني تنفذ العديد من المشروعات عالية الكفاءة وتدر دخل أكثر من العديد من المكاتب الاستشارية الخاصة، حيث انتقلت جميع مشروعات المحافظة للوحدة. ورغم أن الوحدة سجلت كمكتب استشاري ولكنها عملت فقط مع الجهات الحكومية ولم تأخذ أي مشروعات لحساب القطاع الخاص أو الجمعيات الأهلية.
إن أهم الآثار بعيدة المدى لهذه المبادرة، هي الحفاظ على القدرات البشرية للمحافظة من خلال جذب فريق العمل عالي الكفاءة وتقديم الحواف لهم مع إبقائهم للعمل في المحافظة بالفعل. فنجد أن المهندسين الذين التحقوا بالوحدة منذ 2005 ما يزالون يعملون فيها إلى اليوم ولم يتوجهوا للعمل في القطاع الخاص كما كانوا ينون في البداية.
يكمن الأثر الأوسع في مداه لمبادرة وحدة التخطيط العمراني بالمنيا بشكل أساسي في استخدام هذا النموذج كمصدر الهام لوحدات تطوير العشوائيات في العديد من المحافظات في جميع أنحاء الجمهورية في عام 2009.7 بعدما انتقلت المهندسة سعاد نجيب صاحبة المبادرة ورئيسة وحدة التخطيط العمراني إلى صندوق تطوير العشوائيات في 2009 وأوصت بإنشاء وحدات لتطوير العشوائيات على مستوى محلي في المحافظات لتختص بتنفيذ مشروعات تطوير العشوائيات، بدلًا من أن تضطر هذه المشروعات للمنافسة مع أولويات ومشاريع المحافظة الأخرى العديدة في تلقي الموارد والانتباه اللازمين. وأسوة بالحساب المالي المنفصل لوحدة التخطيط العمراني بالمنيا، تم إنشاء وحدات تطوير العشوائيات بحسابات منفصلة لتستطيع استقبال القروض مباشرة من صندوق تطوير المناطق العشوائية -المركزي.
وحينما جاء الوقت لإنشاء وحدة تطوير العشوائيات في محافظة المنيا، فكر محافظ المنيا وقتها وصندوق تطوير العشوائيات في أن تتلوى وحدة التخطيط العمراني مهام تطوير المناطق اللارسمية عوضًا عن إنشاء وحدة جديدة منفصلة، ولكنهم وجدوا أن النظام المالي لوحدة تطوير العشوائيات يختلف كثيرًا عنه لوحدة التخطيط العمراني، حيث تستقبل الأولى قروض بدون فوائد من صندوق تطوير العشوائيات، بينما تعتمد الثانية على دخلها الخاص. وبناء عليه قاموا بإنشاء وحدة منفصلة يرأسها واحد من الذين تدربوا وعملوا بوحدة التخطيط العمراني، وتقوم الوحدة حاليًا بتطوير منطقة غير آمنة تدعى “عشش محفوظ”.
لا تعتبر وحدات تطوير العشوائيات في المحافظات مكاتب استشارية ذات طبيعة خاصة كوحدة التخطيط العمراني بالمنيا، بل وحدات تابعة للمحافظات تختص كل منها بمشروعات العشوائيات داخل نطاق المحافظة. في الوقت الحالي، لا يوجد وحدات شبيهة لوحدة التخطيط العمراني بالمنيا في أي محافظة أخرى في مصر، ولكن من الأهداف بعيدة المدى هو تحويل وحدات العشوائيات لمكاتب استشارية على غرار وحدة المنيا. لم يتم تطبيق هذا التحويل، جزئيًا بسبب أنه يتطلب موافقة المحافظ، ومنذ 2011 وحركة تبديل المحافظين سريعة ومتكررة – تقريبًا بشكل سنوي حتى وقت كتابة المقال. ولكن على أي حال، ما زالت المهندسة سعاد نجيب تعمل على طرح النموذج والترويج له من خلال منصبها بصندوق تطوير المناطق العشوائية، وذلك على المستوى القومي، ومن خلال إقامة ورش عمل وعرض النموذج في مؤتمرات مع إظهار فوائده، والتي تشمل امتلاك المحافظة للعمل بشكل كامل، وتطوير الإدارة المحلية وقدراتها التقنية، كما تخلق حس من الولاء والمسئولية لدى العاملين، وإعطائهم حافز للعمل بشكل أفضل، وتقليل تكاليف التنفيذ على الحكومة بشكل مستدام.
في هذه الأثناء، يقوم صندوق تطوير العشوائيات حاليًا بتقييم وإعادة هيكلية وحدات تطوير العشوائيات بالمحافظات، بهدف رفع المعايير المهنية لديها لتصبح بمستوى مهنية يوازي المكاتب الاستشارية، وعليه فان الصندوق منخرط بقوة في بناء قدرات هذه الوحدات.
لطالما كان من الصعب أن نجد نماذج إيجابية على مستوى الإدارات المحلية في مصر، لذا تؤمن تضامن أنه من الضروري تسليط الضوء على هذا النوع من النماذج حين توجد. فمن الضروري أن يعي الموظفون العاملون في الحكومة أن هناك مجالًا للتطوير والابتكار داخل الجهات الحكومية في بعض الأحيان. هنالك فرص، وإن كانت ضئيلة، للأفراد المبدعين أن يتألقوا، ولربما يمنحهم ذكر نماذج إيجابية كهذه الحافز للاستفادة من هذه الفرص. ومن الهام أيضًا أن يسمع المواطنون بهذه المبادرات وأنه من الممكن أن تحقق الإدارات المحلية أشياء ايجابية، ومن ثم يمكنهم رفع توقعاتهم من المسئولين المحلين وموظفي الخدمة العامة.
ولكن، وبالرغم من نجاح وحدة التخطيط العمراني في المنيا، لم يتم بعد تقييم أثر المشروعات التي نفذتها الوحدة. فوحدة التخطيط العمراني لم تتفاعل مع سكان المنيا بشكل مباشر ولم تبذل أي مجهود لفهم كيف استقبل المجتمع مشروعات الوحدة. كمثال مشروع قرية بهنسا الجديدة التي أدرجتها الوحدة في قائمة مشروعاتها الناجحة، بينما يرسم أحد المقالات الإخبارية صورة مختلفة -حيث نشرت شكوى المواطنون من بعض المشكلات في الخدمات المقدمة في هذه القرية الحديثة ولم ترصد استجابة من الجهة الحكومية. من المؤكد أنه أمر ايجابي ونادر أن نجد جهة حكومية تسعى لرفع المهنية والكفاءة داخل مؤسسات الإدارة المحلية، ولكن لا يمكننا اعتبار هذه التجارب كاملة دون رقابة ومشاركة السكان بها.
1.تعد الهيئة العامة للتخطيط العمراني المسئولة على المستوى القومي عن اعداد المخططات التفصيلية لجميع مدن أنحاء مصر، بينما القرى مسئولية المديريات المحلية..
2. حاليًا تشغل المهندسة سعاد نجيب منصب مدير عام في صندوق تطوير المناطق العشوائية.”.
3.” تعتبر هذه الممارسة معتادة في مصر بحيث يستطيع الموظفون الحصول على رواتب القطاع الخاص بجنب حصولهم على شبكة الأمان التي تمنحها الوظيفة الحكومية
4. ”الندب” هو مصطلح يشير إلى ندب موظف لعمل وظيفة أخرى لفترة مؤقتة سواء في ذات الوحدة التي يعمل بها أو وحدة أخرى.
5. كما سيتم التفصيل لاحقا في المقال، فقد أدرت العديد من مشروعات الوحدة أرباحًا تم تخصيص جزء منها ليوزع على العاملين بالوحدة.
6. إن إعداد المخططات التفصيلية هو مهمة إدارات التخطيط العمراني بالمحافظات، وعلى المحافظ (والمجلس الشعبي المحلي ، إن وجد) إقرارها. لذا فان تسجيل الوحدة الجديدة داخل الهيئة العامة للتخطيط العمراني هو ما سمح لها بالاستمرار في تنفيذ هذه المهمة.
6. وحدات تطوير العشوائيات تم إنشائها على مستوى المحافظات، وتقوم برفع التقارير الفنية والإدارية لصندوق تطوير العشوائيات على المستوى القومي.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments