ما هو حق التنقل في المناطق الحضرية وفي وسائل المواصلات العامة؟
وسائل المواصلات العامة ينبغي أن تكون مستدامة، ويسهل الوصول إليها، وبأسعار في متناول الجميع. إن الحق في التنقل في المناطق الحضرية يعني أن يكون لدي المواطنين القدرة على التحرك بحرية داخل المدن المختلفة وكذلك فيما بينها. فمن حق جميع الأفراد الحصول على وسائل المواصلات العامة الآمنة، وأن تكون متوفرة في جميع الأحياء، وبأسعار في متناول الجميع. كذلك ينبغي إعطاء اهتمام خاص لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة لضمان حصولهم على فرص متكافئة في الوصول إلي وسائل المواصلات العامة.
كيف يؤثر هذا الحق على حياتنا اليومية؟
القدرة على تحمل التكلفة
أسعار وسائل المواصلات العامة في مصرتعتبر ميسورة نسبيا وفقا للمعايير الدولية، ولكن وسائل النقل ذات الاًسعار المعقولة ليست دائما محل ثقة وليست دائما آمنة. وفي المتوسط، ينفق الفرد في القاهرة 12 في المائة من تكاليف معيشته على وسائل النقل.1 يعتبر مترو الأنفاق وسيلة المواصلات الأكثر شعبية، يمكن الوثوق بها وبأسعار في متناول الجميع في القاهرة، تكلفة الرحلة الواحدة جنيه واحد فقط. خلال عام 2011 استخدم حوالي 4 ملايين راكب في اليوم مترو الأنفاق في القاهرة. غير أن إزدحام الركاب، خصوصا خلال ساعات الذروة، يمكن أن يكون خطيرا بالنسبة للأفراد ذوي الإعاقة، وكذلك كبار السن. والمواصلات العامة يمكن أيضا أن تكون خطيرة بالنسبة للمرأة حيث تكثر حوادث التحرش الجنسي. خصص مترو أنفاق القاهرة ”عربات للنساء فقط “في القطارات للمساعدة في التصدي لهذه المشكلة، لكن أحياناً ما يقوم بعض الرجال بركوب العربات المخصصة للسيدات مما يؤدي إلى مواجهات بين الركاب،2 كما أن عدم وجود أفراد أمن في المحطات والعقوبات غير الرادعة (العقوبة الحالية لرجل يركب العربة المخصصة للسيدات 15 جنيها فقط) يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة.3 أما وسائل المواصلات الأخري في القاهرة فهي تشمل أوتوبيسات النقل العام والميني باص والميكروباص وعربات الترام. سيارات الميكروباص، التي تدار بواسطة القطاع الخاص، تشكل خياراً بأسعار في متناول الجميع للتنقل في القاهرة، لكن لا يمكن الاعتماد عليها دائما، حيث إنها أحياناً تترك الركاب عالقين لفترات طويلة من الزمن، وهي غير منظمة من قبل الدولة.4 أما بالنسبة للمسافات الأقصر في الشوارع الضيقة والتي يتعذر الوصول إليها، السائدة في المناطق العشوائية، يستخدم الناس سيارات التوك توك، وهي غير مرخّصة وفي معظم الأحيان يقودها شباب صغير السن.
سهولة الوصول إلي وسائل المواصلات
يعني الوصول إلى وسائل النقل الوصول إلى المدينة. المواطنون يحتاجون الى الوصول إلى مناطق مختلفة من المدينة للعمل، والتسوق، والترفيه، أو لأداء المهام. وقد تصارع السياسيون وصانعو السياسات في القاهرة وغيرها من المدن المصرية مع التحدي المتمثل في المناطق العشوائية على مدى عقود، كما كانوا يقومون بالتأكيد علي قضية الإسكان أيضاً، ولكن وسائل المواصلات أيضا تمثل تحدياً صعباً. يسكن الكثير من أهالي القاهرة في المناطق العشوائية ، ليس فقط لأن مساكنها بأسعار في متناول أيديهم، ولكن كذلك لأنها أقرب إلى وظائفهم، والى الخدمات العامة، والى الشبكات الاجتماعية. وقد تعثّرت المدن الحكومية الصحراوية لفترات طويلة جزئياً بسبب صعوبة الوصول إليها. حيث إن التنقل من وإلى هذه المناطق يعتمد بشكل كبير على المركبات الخاصة، ومعظم القاهريون لا يمتلكون سيارة.
تعد سهولة الوصول إلى وسائل المواصلات العامة أيضاً قضية عدالة إجتماعية. العديد من الأحياء التي يقطنها أفراد من الطبقتين المتوسطة والدنيا الذين يعتمدون على النقل الجماعي، لا تقدّم الخدمة إليهم من قبل وسائل النقل العام على الإطلاق و بدلاً من ذلك يعتمدون على الميكروباص المملوك للقطاع الخاص، وعلى سيارات التوك توك، أو على الركوب في الجزء الخلفي من السيارات النصف نقل، إلى أقرب وسيلة مواصلات عامة أو محطة للميكروباص.
ويشمل الحق في التنقل في المناطق الحضرية حق السير في المدينة، والحكومة عليها مسؤولية العمل مع المجتمعات المحلية لجعل المدن أنسب للمشاة. إن السير في أجزاء عديدة من القاهرة وغيرها من المدن المصرية خطير في كثير من الأحيان. تستثمر الكثير من المدن في جميع أنحاء العالم أموالها في أنظمة المرور، وفي بناء الأرصفة، أوفي تخصيص مناطق للمشاة فقط حول الأسواق أو حول مناطق التسوق، لزيادة أمان السائرين. أما في حالة القاهرة فإن المشاة معرّضون للإصابة أثناء المشي، لأن الأرصفة في حالة سيئة ومكتظة بالسيارات المتوقفة، وبالبائعين، أو بالدرّاجات النارية. وفي بعض المناطق تكون الأرصفة غير موجودة على الإطلاق، ويضطر المشاة أن يسيروا في نهر الطريق. إن عبور الشوارع في القاهرة أمرٌ محفوف بالمخاطر في ظل وجود عدد قليل من مناطق عبور المشاة في جميع أنحاء المدينة، والسائقون في معظم الأحيان لا يسمحون للمشاة بالعبور بسهولة.
يجب على سهولة الوصول والتنقل في المناطق الحضرية أيضا أن تلبي احتياجات 3.5 في المئة من المصريين ذوي الأحتياجات الخاصة.5 الأدراج العالية في المباني الحكومية وغيرها من المرافق العامة في كثير من الأحيان ليس بها مصاعد، والبوابات من العسير الوصول إليها. وفي حين أن المتاحف والفنادق والمناطق السياحية عادة ما يكون من السهل الوصول إليها بالنسبة لذوي الأحتياجات الخاصة، فإن الكثير من المباني الأخري في القاهرة لا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة الأدراج.6 نسبة المباني العامة التي ليس بها سبل للدخول لذوي الاحتياجات الخاصة أكبر في المدن الصغيرة. الأرصفة الواسعة والآمنة متوفرة في عدد قليل من الأحياء وهي عادة الأكثر ثراء، وحتى ذلك يكون نادراً، ولكن في معظم الأحياء فإنه من الصعب للغاية بالنسبة للأشخاص الذين يحتاجون للكراسي المتحركة إستخدام الشوارع الضيقة والمزدحمة. أوتوبيسات النقل العام والميكروباص عادة ما تكون مزدحمة جدا لتسمح لشخص في كرسي متحرك بالصعود إليها، هناك خيارات قليلة جدا لوقوف السيارات المخصّصة لذوي الأحتياجات الخاصة بالقرب من وجهتهم.7
الاستدامة
للوصول إلي الحق في التنقل في المناطق الحضرية، والحق في المواصلات العامة، تحتاج المدن إلى تطوير خطة طويلة الأجل لتلبية احتياجات النقل لجميع المواطنين بطريقة عادلة ومستدامة. وقد أفردت الحكومة المصرية الكثير من الوقت والاستثمار في بناء البنية التحتية للطرق التي تخدم المركبات الخاصة. مصر لديها فقط 45 سيارة لكل 1000 شخص (بالمقارنة ب 125 في ال 1000 في تونس و 155 في ال 1000 في تركيا)، ولكن القاهرة هي واحدة من أكثر مدن العالم ازدحاماً.8 الطلب على خدمات وسائل النقل العام قد فاق العرض بكثير، وقد قام الميكروباص، وسيارات التوك توك وسيارات الأجرة بملء هذه الفجوة جزئياً، مما يسبّب إزدحام لا يصدق على الطرق. أخيراً، أدّى الاعتماد الكبير على المركبات في النقل الى جعل القاهرة واحدة من أكثر المدن تلوثاً في العالم. إن إطلاق الحملات العامة لتشجيع المشاة في القاهرة وبناء ممرات أو مسارات للدراجات يمكن أيضا أن يحدّ من التلوث الذي تسببه المركبات.
الأمان
شبكة السكك الحديدية في مصر طولها 9570 كم و هناك 705 محطة تغطي جميع المحافظات ويبلغ عدد ركابها يومياً 1.4 مليون راكب.9 مئات الآلاف من العمال الذين يقطنون في المدن القريبة من القاهرة يعتمدون علي القطارات في رحلتهم اليومية إلي المدينة. على الرغم من أنها خدمة أساسية ل 500 مليون شخص سنوياً، فإن خدمة السكك الحديدية سيئة السمعة لإنعدام الثقة والأمان. الحادث المعروف بأسم ”قطار الصعيد“ في عام 2002 كان أسواء حادث في تاريخ السكك الحديدية المصرية وتسبب في 373 حالة وفاة. وعلى مدى العامين الماضيين، أصبحت الحوادث المرتبطة بالقطارات أكثر شيوعاً؛ فقد وقعت ستة حوادث منذ نوفمبر 2012، وكان الحادث الأكثر دموية في نوفمبر 2012 حين اصطدمت حافلة مدرسية بقطار ونتج عنها وفاة 69 شخصا، من بينهم 52 طالبا كانوا على متن الحافلة، وفي شهر يناير من عام 2013 قتل 19 مجنداً وأصيب 119 عندما انفصلت العربة الأخيرة التي كانوا يستقلونها عن القطار.
لا ينفي وصف كل هذا على أنه” حوادث “ مسؤولية هيئة السكك الحديد ووزارة النقل – بدءاً من رؤساء هذه المنظمات حتى المهندسين والمفتشين – عن ضمان السلامة العامة. يجب تحديد ومحاسبة الشخص المسؤول عن اتخاذ قرار إنفاق الملايين من الجنيهات على مشاريع التجديد والتجميل بدلاً من تطوير البنية التحتية – التي هي في أشد الأحتياج إليه – للسكك الحديدية التي تحصد الأرواح.
الحق في وسائل المواصلات العامة وفي حرية التنقل بالمناطق الحضرية في الدستور المصري
إن الدستور المصري لعام 2012، مثل معظم الدساتير الأخري، يعترف فقط بحق “حرية التنقل” (مادة 42)، ولكنه لا يتناول بشكل صريح الحق في وسائل المواصلات العامة وفي حرية التنقل بالمناطق الحضرية. وبصفة عامة فإن حرية التنقل تشير إلي حق المواطنين في التنقل داخل وطنهم كيفما يشاؤون والعودة إليه عندما يرغبون.
ولكن في خلال عملية كتابة دستور عام 2012، إقترح بعض أعضاء الجمعية التأسيسية المصرية إنه ينبغي إضافة ” الحق في وسائل مواصلات ملائمة“ إلي المادة 68. وقد أضيف هذا الحق كما يلي:
الحق في مسكن ملائم ووسيلة نقل مناسبة هو حق لكل مواطن. كل المواطنين لهم الحق في الحصول علي ماء نظيف وغذاء صحي و ملبس. والدولة تلتزم بتوفير هذه الحقوق لكل مواطنيها.
ومع ذلك، فقد تمت إزالة هذه الجملة من المسودة النهائية لدستور 2012. وقد كان في إمكان الجمعية التأسيسية المصرية لعام 2012 أن تتخذ خطوة تاريخية لو كانت ضمّت الحق في وسائل المواصلات العامة في دستور لأول مرة، ولكن للأسف فإن هذا لم يحدث. وبالمثل، فإن دستور عام 2014 أيضاً لا يتناول الحق في وسائل مواصلات ملائمة وحرية التنقل في المناطق الحضرية، ولكنه يعترف فقط بأن حرية الحركة حق من الحقوق (مادة 46).
أمثلة في دساتير دول أخرى
تعترف كثير من الدساتير فقط بأن حرية الحركة أحد الحقوق، ولكن ليس هناك أيّ دستور يذكر بشكل صريح الحق في وسائل مواصلات ملائمة وفي حرية التنقل في المناطق الحضرية.10 ربما يكون دستور البرازيل هو الوحيد الذي يعترف ضمنياً بالحق في وسائل مواصلات ملائمة وفي حرية التنقل بالمناطق الحضرية.
يذكر الدستور البرازيلي في عددٍ من المواد بعض عناصر الحق في الحصول علي وسائل مواصلات ملائمة وفي حرية التنقل بالمناطق الحضرية. المادة 227 تنص علي:
ينظم القانون مواصفات البناء في المواقع العامة والأبنية، وفي صناعة مركبات النقل العام، من أجل ضمان سهولة الوصول بالنسبة للأشخاص ذوي الأحتياجات الخاصة.
تتناول المادة 244 نفس الموضوع مع التركيز علي تغيير المباني العامة القائمة بالفعل، والمواقع، ومركبات النقل العام غير المجهّزة لذوي الأحتياجات الخاصة، لكي تصبح أكثر ملائمة لاستخدام الأشخاص ذوي الأحتياجات الخاصة.
الدستور البرازيلي لا يتناول سهولة استخدام وسائل النقل العام فحسب لكنه ايضا يتحدث عن ضرورة توفر أسعار في متناول الجميع. تنص المادة 230 علي ”كل من تجاوز سن الخامسة والستين له حق التنقل في المناطق الحضرية مجانا. “
وتنص مادة 7 علي أن من بين أمور آخري، يحق للعمال في المناطق الحضرية والريفية تقاضي حد أدني من الأجور الموحدة علي المستوي القومي الذي يضمن لهم سداد احتياجاتهم الأساسية متضمنة المسكن والمأكل والتعليم والرعاية الصحية والمواصلات. ويذكر الدستور البرازيلي أيضا ضمنياً الحق في سهولة الوصول الي مواصلات عامة مناسبة وبأسعار في متناول الجميع وقد يكون الدستور الأكثر تقدما من ناحية الحق في المواصلات العامة وحرية التنقل في المناطق الحضرية.
نحو دستور أفضل
الحق في المواصلات العامة وفي حرية التنقل في المناطق الحضرية ليس من حقوق الانسان ولكنه حق مدني . إن سرعة حركة التحضر في مصر و زيادة الطلب على نقل عام أفضل، يزيد من أهمية إيجاد نقل عام مستدام يسهل الوصول اليه وفي متناول جميع المصريين. في غياب أيّة مواد دستورية تؤمن الحق في مواصلات عامة، يمكن استخدام الميثاق العالمي للحق في المدنية (WCRC) كمرجع لدعم هذا الحق. المادة 13 من الميثاق العالمي للحق في المدينة (WCRC) تتحدث باستفاضة عن الحق في النقل العام والتنقل في المناطق الحضرية حيث تنص علي:
و لكن تحقيق هذه الاهداف سيكون متناهي الصعوبة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها مصر. لتحقيق هذه الأهداف يجب إيجاد توازن للعرض والطلب في خدمات النقل وفي نفس الوقت التأكد من أن منظومة الخدمات في متناول الجميع وسهلة المنال ومستدامة.
أن تكون أسعار النقل العام في متناول الجميع لا يعني بالضرورة أن يكون سهل الوصول إليها أو آمنة، وبالمثل النقل العام الآمن والسهل الوصول اليه لا تكون أسعاره دائماً في متناول الجميع. للوصول الي هذا التوازن وفي نفس الوقت خلق منظومة للنقل مستدامة بيئياً فهذا يتطلب الابتكار والالتزام. دعم الحق الدستوري لمادة المواصلات العامة والتنقل في المناطق الحضرية سيلزم مصر بنظام مواصلات يعود بالنفع علي المجتمع المصري بأكمله.
1. تكلفة المعيشة في القاهرة، مصر
2. هناك أيضا مناقشات هامة تتساءل عما إذا كان الفصل بين الجنسين في وسائل النقل العام يقلل أم مجرد يزيح قضية التحرش الجنسي إلى مجالات أخرى
3. بوابة الأهرام الرقمية (2013).
4. القاهرة: وسائل المواصلات العامة.
5. سارة المشد 2012. “القاهرة بواسطة كرسي متحرك: التنقل في المدينة يكاد يكون من المستحيل للأشخاص ذوي الإعاقة “مصر المستقلة (26 سبتمبر).
6. جمعية تيسير السفر والضيافة (SATH) مصر.
7. سارة المشد 2012. “القاهرة بواسطة كرسي متحرك: التنقل في المدينة يكاد يكون من المستحيل للأشخاص ذوي الإعاقة “مصر المستقلة (26 سبتمبر).
8. البنك الدولي، مؤشرات التنمية العالمية، 2009 و 2010
9. الهيئة القومية لسكك حديد مصر.
10. مادة 13 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان تنص علي “كل شخص له الحق في حرية الحركة و الاقامة داخل حدود كل دولة” الاعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الأمم المتحدة.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks