تشتهر منطقة المكس باسم قرية الصيادين لانتشار حرفة الصيد بها واستضافتها لحلقة السمك الكبيرة التي يتم نصبها يوميا ويأتي كثير من أهالي الإسكندرية لشراء السمك الطازج منها، وأيضًا لوجود أشهر مطاعم الأسماك في المدينة على شاطئ المكس مثل مطعم الزفير وسي جول والتي تعتمد على الصيد اليومي في تشغيلها. هناك لقب أخر متعارف عليه لمنطقة المكس وهو فينسيا الإسكندرية لانتشار الصور الفوتوغرافية الفنية لخندق المكس تطل عليه بيوت أهالي الصيادين المبنية بشكل بدائي غير منظم وقواربهم المتنوعة المصفوفة في الخندق أمام هذه البيوت الصغيرة والتي تنتشر بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الأنشطة والصور والألقاب المستخدمة للإشارة إلى منطقة المكس أدت إلى اقتصار إدراك الناس للمنطقة على أنها تشمل فقط قرية الصيادين وحلقة السمك بينما الحقيقة مختلفة تماما؛ فقرية الصيادين تمثل جزء صغير جدًا من منطقة المكس بمساحة ٠,٠٣ كيلو متر مربع فقط من مساحة ٤,٨٠ كيلو متر مربع تشغلها منطقة المكس ككل.
حين النظر الي تكوين المكس العمراني نجد أنها تتكون من مجموعات صغيرة من بيوت الأهالي المتبعثرة بين كتل عملاقة من التلوث تتسبب بها شركات ومصانع البترول والكيماويات والإسمنت والملح والمصرف. فمنطقة المكس من أعلى المناطق تلوثاً بمصر ويتخلل هذه المصانع أيضًا بقع عمرانية صغيرة مثل نادي حرس الحدود ونادي السكة الحديد وثلاث مدارس (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ٢٠١٦). هذا التكوين العمراني لا يفصل المنطقة الصناعية عن المناطق السكنية بمسافة تضمن صحية المناطق السكنية وعدم تضررها من التلوث الصادر من المصانع وهذا أيضًا ينطبق على النوادي والمدارس كما توضح الخرائط بالجزء الخاص بتاريخ تكوين المنطقة العمراني في المقال.
يركز هذا المقال على رصد وفهم الأحداث التي شاركت في الوصول إلى هذا التكوين العمراني المعقد للمكس، كيف بدأت المنطقة وكيف تحولت فيما بعد؟ ثم يهدف المقال إلى مناقشة ما يجب أن يحدث فيما بعد، هل من الأصح نقل السكان أم نقل المصانع أم استكمال المكس كما هي بكل التعقيدات والمشكلات التي يعاني منها سكانها؟ ويبقى السؤال الأساسي الذي يهدف المقال للإجابة عنه هو كيف تواجدت هذه الاستخدامات المتناقضة جنبًا إلى جنب في منطقة المكس وما مصيرها في المستقبل القريب؟
المكس في أرقام
المحافظة: الإسكندرية
الحي: حي العجمي
المساحة:حوالي ١٢ كيلو متر مربع
عدد السكان: يبلغ عدد سكان المكس 30 ألف و51 نسمة وفقا لإحصاء عام ٢٠٠٦
حكاية المكس
لدراسة المكس حاليًا بتنوع الاستخدامات والمناطق بها يجب النظر إلى تاريخ المكان وتطوره. بدايةً، كلمة المكس في معجم لسان العري وتعني الضريبة؛ وربما يرجع هذا المسمى إلى وظيفة المكان قديمًا. فبالرجوع إلى الخرائط القديمة نجد أن منطقة المكس كانت على حدود المدينة الغربية حيث نجد في بعض المصادر وجود سور للمدينة من البحر الى البحيرة وفى مصادر لاحقة توجد كجزء من ميناء للبضائع حيث خليج المكس أو خليج باب العرب، ويظهر أيضًا حصن الشفخانة كمعلم أساسي للمنطقة قديمًا وغالبًا ما توجد الحصون والقلاع عند موانئ المدينة.
خريطة سنة 1845 توضح وجود المكس على أطراف المدينة ووجود سور عند المنطقة (المصدر:مركز الدراسات السكندرية)
خريطة لسنة 1937 توضح الكتلة العمرانية لمساكن وادي القمر قبل اختراقها بمصنع الإسكندرية للبترول و قبل بناء شركة الإسكندرية لإسمنت بورتلاند. (مركز الدراسات السكندرية)
المكان وأهله
تتميز المكس بتنوع أهالي المنطقة حيث يوجد الطبقة البسيطة مثل الصيادين والعاملين بالشركات وأيضًا يوجد طلاب الجامعات وموظفين يعملون بالبلد، هؤلاء الفئتان يختلفون تمامًا عن بعض حيث لكل منهم روتين حياة مختلف تمامًا. فالمجموعة الأولى تقضى أغلب يومها في المكس وقلما ما تخرج من المنطقة، أما المجموعة الثانية فيخرجون تقريبًا يوميًا للذهاب لأعمالهم. ولأهالي المكس عمومًا حياه بسيطة بعيدة نوعًا ما عن صخب المدينة مما جعل لأهالي كل منطقة سكنية علاقات وطيدة ببعض حيث أغلبهم يعرفون بعض. سكان المكس يذهبون خارج المنطقة لوسط البلد أو مناطق أخرى للتنزه في الاجازات حيث لا يوجد بالمكس مناطق خضراء أو أي حديقة عامة.
” أول ما سكنت جديد هنا كنت حاسة ان المكان أسرة واحدة كنا بليل الرجالة تنزل تقعد مع بعضها والحريم برده نطلعو نقعدو مع بعض والأولاد يلعبوا قدمنا وكان في الجناين ده حتى الشجر راحوا قطعينه”
اشتهرت منطقة وادي القمر بأنها منطقة صناعية بالرغم من وجود المنطقة السكنية قبل الشركات حيث تقع مساكن وادي القمر بين أربع شركات – شركة الإسكندرية للبترول وشركة الملح وشركة الإسمنت البورتلاندي وشركة الزيوت – مما يجعلها شبه معزولة عن أي منطقة سكنية أخرى مما أثر على علاقات الأهالي ببعضها وجعلها أقوى. يحد وادي القمر من الناحية الشرقية شارع وادي القمر وهو شارع رئيسي لحركة الشاحنات والسيارات ويعتبر طريق حركه سريع وبالرغم من أنه الشريان الرئيسي للحركة إلا أنه غير مرصوف جيدًا يحده رصيف عرضه أقل من متر تقريبًا مما يجعله غير أمن للمشاة.
على صعيد أخر، قامت شركة الإسمنت ببعض التطويرات الذي يعتبرها الأهالي صورية وأقيمت لتملقهم ومما أثار تهكم الأهالي أن تلك التطويرات كانت غطاء تضعه الشركة ليظهروا بشكل أفضل امام وسائل الاعلام مثل انشاء المدرسة الابتدائية وتشجير بعض الشوارع. وهناك فئة من ساكني المنطقة تعمل في شركة الملح، والبعض في شركة البترول، وقليل جداً في شركة الإسمنت واخرون في وسط البلد ولكن اشتكى البعض من عدم وجود فرص عمل وان المرتبات منخفضة وان بعض الشركات تعطى فرص لعاملين من القري بدلا من أهالي المنطقة الذين تضرروا كثيرا من الشركات.
“الناس مسمين المكان هنا مثلث الموت”
” اغلب الناس اللي ساكنه هنا عندها ربو”
“في ناس كتير جم صوروا بس محدش بيعملنا حاجة”
مصنع الإسمنت البورتلاندى هو السبب الأساسي في معناه الأهالي لأنه يصدر ادخنه وأتربة تجعل أهالي المنطقة يختنقون وأحيانًا تتجمع سحب سوداء فوق سماء وادي القمر مما أدى لسوء الحالة الصحية لأهالي المنطقة.
“زمان كنا مستحملنهم بس دلوقتي مصنع الإسمنت بيحرق فحم و زباله و يطلع صمد”
مصنع البترول يصدر ضوضاء وأصوات صاخبه دائمة ولكن ما يخيف السكان أكثر هو الحرائق والانفجارات التي تنتج من المصنع.
“اخر مرة حصلت ضربة والناس جرت في الشارع والنار كانت بتجري وراهم ومكنوش لاقين مكان يباتوا فيه”
كانت توجد بعض الاقتراحات الغير رسمية لنقل السكان لقرية عبد القادر مما اثار اضطراب الأهالي لأن حالته أسوء بكثير من وادي القمر، فهي منطقة مهجورة ولا يوجد بنية تحتية للمكان مع اهمال الحكومة تمامًا لهم و أيضًا لبعد المكان عن أماكن عملهم.
– مساكن أهالي المكس:
مساكن أهالي المكس منطقة سكنية صغيرة الحجم عبارة عن ثلاث شوارع موازية لبعض، والمنطقة تعتبر معزولة عن المحيط مما يجعل المجتمع متماسك أكثر. تقع المساكن بجانب الخندق ومثل مساكن وادي القمر تحاط المنطقة بالشركات، حيث يقع على الحدود الغربية شركة البترول. وما لا يعرفه البعض ان المنطقتان وادي القمر ومساكن أهالي المكس كانا في البداية منطقة سكنية واحدة ثم ازيل جزء منها ليحل مكانه شركة البترول لتفصل المنطقتان عن بعض.
” إنما الخدمات مفيش حاجة نهائي حتى عواميد الكهرباء مش شغالة تيجي بليل الجو وحش جدًا ضلمة بس بنبص ان فى نقطة امان عندنا هنا الامن برا “
– مساكن سواحل المكس – الطابية:
تقع مساكن الساحل بجانب الخندق وتطل على البحر، ويفصلها عنه طريق الكورنيش، المباني أقيمت من قبل الحكومة كاستثمار من عشر سنين وبيعت للأهالي وبعض من سكان الطابية.
طبقًا لكلام أهل المكان ينقص التجمع خدمات أساسية على مستوى المجاورة السكنية، حيث لا يوجد به إلا سوبر ماركت ومكتبة بسيطة الحال ولا يوجد سوق قريب وأقرب الأسواق سوق الورديان أو سوق باب عمر باشا أو سوق الدخيلة. لا يوجد خدمات صحية أيضًا من أول الصيدلية حتى المستشفى، حيث توجد أقرب المستشفيات في الدخيلة أو الورديان. كما ينقص منطقة المكس ككل الخدمات التعليمية، فلا يوجد غير مدرستين ابتدائي وهما مدرسة الشهيد صابر ومدرسة أساس المكس ومشكلة مدرسة أساس المكس أنه بها فصل واحد للسنة الدراسية، أيضًا هناك مدرسة تجريبي إعدادي للبنات. وميسوري الحال يلتحقون بمدارس خارج المنطقة. أما الثانوي أقرب مكان العجمي أو الورديان. ويعاني أهل المجاورة السكنية من عدم وجود كهرباء لأعمدة النور فيكون المكان مظلم ليلا. ويشتكي أهل المنطقة من شركة البترول والعوادم الناتجة عنها ففي بعض الأيام تأتي العوادم بشدة.
بالنظر إلى تاريخ الأماكن المشابهة فنجد دائمًا استثمار غير مدروس فهل هذا أنسب مكان لبناء مجتمع منفصل لطبقة متوسطة ومع نقص الخدمات بالمنطقة هل يمكن أن يقطن الناس؟ ولكن مع الكثافة الحالية ووجود بنية تحتية جيدة يمكن تطويرها وعامل الأمن يمكن تطوير المكان ليجذب أعداد أكبر من الناس وتحسين معيشة السكان الحاليين.
مساكن قرية الصيادين:
قرية الصيادين هي جزء من حي المكس والتي تتضمن خندق المكس يحتويه قوارب الصيد المتعددة والملونة وبيوت الأهالي ذات الطابع الخاص المطلة عليه. وكما هو واضح من اسم القرية فهي قائمة على حرفة الصيد المتوارثة عن الأجداد ويمكن ببساطة استنتاج مدى ارتباط سكان القرية ارتباطًا وثيقًا بالبيئة المحيطة للقرية مثل الخندق والبحر لكسب رزقهم اليومي. (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ٢٠١٦).
كانت ولازالت هناك محاولات كثيرة من الدولة لنقل سكان القرية من بيوتهم لمكان أخر. وقد ذكر أحد الصيادين القاطنين بالقرية والمولود بها أن من الطبيعي أن يكون مرتبطًا ارتباطًا شديداً بمسكنه الحالي وأنه مثل معظم الأهالي لا يستطيع العيش بعيداً عنه لارتباطه بحرفتهم. فالصيادين يترقبوا قواربهم باستمرار ومثلًا في حالة حدوث نوه مفاجأة يسرع الصياد لإدخال قاربه في الخندق حتى لا ينكسر من شدة حركة المياه والرياح وأضاف انه لا يستطيع الانتقال ابعد من المنازل الجديدة التي تبنيها الدولة لنقل سكان القرية بها. أيضًا أشار هذا الصياد إلي أن المكس من المناطق المعرضة للغرق كما حدث في السابق لمنطقة عبد القادر، في حالة عدم امكانية سواحل المصايد في ضبط مكن البابور في منطقة الطلمبات المتحكمة في منسوب مياه المصرف.
وعند سؤاله عن الخدمات المتوفرة في المكان، أجاب أنهم يفتقدوا لوجود مستشفى للعلاج، فحتى المتطلبات العلاجية البسيطة كعلاج الأسنان غير متوفر. وأكد أن الخندق قد تم حفره منذ الاحتلال الإنجليزي بغرض استخدامه كمصرف من البداية، فإلقاء مخلفات المصانع وتلوث المياه في الخندق ليس بالأمر الجديد عليه بينما حجم المخلفات والمصارف زادت بصورة ضخمة عن بداية انشاءه مما سبب حجم التلوث الهائل المتواجد فيه حاليًا وأدي إلى قلة الثروة السمكية وصعوبة المعيشة عليه كالسابق. وقد أفاد أيضًا أن قلة الثروة السمكية قد تابعه زيادة سعره أكثر من الضعف بالإضافة إلى غلاء الأيدي العاملة في عملية الصيد والجاز المستخدم في محركات مراكب الصيد مما جعل الصيادين هناك يعانون من عوائق كبيرة خلال البحث عن دخله اليومي.
“شركة البترول بتنزل جاز بقالها تلات ايام ورا بعض على وش المية، أنا لو أعرف مسؤول كنت اتصلت بيه”
هل لأن المكان في الأصل كان يستخدم كمصرف قبل قدوم سكان القرية فسيكون بديهيًا أن يتم نقل السكان لمكان بعيد عن الخندق؟ أم من الأصح محاولة الوصول لحل وسط ومرضي لاستمرار الخندق كمصرف واستمرار السكان في العيش عليه ومحاولة تنفيذ أساليب بيئية تقلل من أضرار المصرف عليهم؟
“المية دي كانت بتنزل كل يوم طنين أو تلاتة بلطي بس لما المصانع بقت بترمي مخلفتها عليها كتير السمك بقي بيموت والسمك اللي بيطلع من الصيد أقل كتير عن زمان”
هذه المميزات والمشاكل المتواجدة في كل منطقة سكنية في أنحاء المكس يجب أن تقابل بمشاريع مخططة من متخذي القرار في المدينة لحل المشكلات المتواجدة واستغلال الفرص المتاحة. ولقد تم ذلك بالفعل من خلال محاولات سابقة للمجتمع المدني ومقترحات من الدولة، ولكن هل نجح المجتمع المدني؟ وكيف استهدفت الدولة المنطقة في المقترح التخطيطي القادم للمدينة؟
التجارب السابقة والمقترحات المستقبلية:
تجارب المجتمع المدني في منطقة المكس:
بدأت مؤسسة جدران في عام ٢٠٠٠ كمبادرة تستخدم الفنون في تطوير منطقة قرية الصيادين بالمكس وفي عام ٢٠٠٣ تم تسجيل جدران كمنظمة غير حكومية وغير هادفة للربح. تطلعت المنظمة منذ البداية إلى استخدام المساحات العمرانية والمعمارية المهملة لنشر الفنون في الشوارع وبين أفراد المجتمع المتنوعة في سبيل تطوير مجتمعي شامل. بدأت جدران في تطبيق مشروعها في قرية الصيادين بمنطقة المكس لمدة ثماني سنوات والذي يهدف إلى رفع الوعي لدي سكان القرية ومتخذي القرار في مدينة الإسكندرية عن طريق ممارسة الفنون المتنوعة. في عام ٢٠٠٠ كان تعداد السكان حوالي ١٥٠٠ ساكن في قرية الصيادين جاءت جدران إلى المنطقة وبدأت في نشر الوعي عن طريق إقامة بعض النشاطات الفنية مثل ورش الرسم للأطفال فقرات توعوية لسكان وجرافيتي لتجميل القرية وحملات تنظيف القرية من القمامة وورش تعليم لكيفية الزراعة ودروس الموسيقى ومساعدة الأهالي لبناء مراكب صيد جديدة (جدران للفنون).
المقترحات المستقبلية:
بالنسبة الي الصحة العامة، فبناءً على ما تم ذكره في تقارير مخطط ٢٠٣٢، أنه من المتوقع زيادة تعداد سكان الإسكندرية بحوالي ٤٠٪ ليصبح ستة ملايين في عام ٢٠٣٠. هذه الزيادة سوف تشكل ضغط على المواقع الطبيعية المتواجدة في المدينة مثل بحيرة مريوط وخليج المكس الذي تعتمد عليه الإسكندرية كمصرف لها يمتد إلي البحر. تعمل الدولة حاليًا على محاولة حل التلوث عن طريق زيادة وحدات معالجة المياه في خليج المكس ومتابعة حالة المياه المعالجة باستمرار عن طريق اصدار تقارير دورية وأيضًا تدعيم البنية التحتية الخاصة بالمياه المعالجة (الهيئة العامة للتخطيط العمراني، ٢٠١٤).
لقد تم ذكر كبر حجم التلوث الناتج منه وخطره على الصحة العامة ومع ذلك لم يتبعه ذكر لأي مخططات لحل مشكلة التلوث الخاصة بالإسمنت مثلاً. أيضًا لم يتم الوضع في الاعتبار مشكلة تواجد الكتل السكنية في قلب المصانع وشركات البترول سواء كطرح للمشكلة أو كحل مما يجعلنا نتساءل عن سبب التهميش الدائم للمكس بالرغم من كثرة وضخامة مشكلاتها وتأثيرها على المدينة.
من خلال الزيارة الميدانية تم التحقق من نقل سكان قرية الصيادين إلى منطقة سكنية أخرى فقد تم البدء في بناء مجمع سكني من الخرسانة بارتفاع ستة أدوار بمساحة بنائية تقارب ٣١٠٠ متر مربع لكل العمارات في المشروع ليتم نقل بها السكان المتواجدين علي جانبي الخندق عقب الانتهاء تمامًا من البناء. وعند سؤال الأهالي كان هناك من وافق على النقل واعتبره ميزة ومنهم من اعترض على أن يتم نقله من مكانه لارتباطه بمركب الصيد التي يركنها أمام منزله خوفًا من سرقتها. في أول لقاء مع أحد سكان قرية الصيادين وهو صياد كان يقوم بالبيع في حلقة السمك عند سؤاله عن رأيه فيما يتعلق بنقله إلى المساكن الجديدة كانت إجابته هي أنه لا يعترض على النقل لأنه لازال قريب من منطقة عمله ولأنه سيتضمن خدمات أفضل من السكن القديم وكان اعتراضه الوحيد على مساحة الشقة فهي أقل بكثير من مساحة مسكنهم الحالي. وبسؤال ساكن أخر بالقرية حين كان يغزل شبكة الصيد أمام منزله وأيضًا أمام قاربه المتواجد في الخندق قد اعترض تمامًا على نقلهم من مسكنهم الحالي لارتباطه الشديد بالخندق والذي يجمع قاربه أمام منزله يراقبه ويطمئن عليه من عدم السرقة فهو غير مستعد للعيش في مكان بعيد عن قارب الصيد الخاص به والمخاطرة بتخريبه أو سرقته وهو أهم ما يملك والشيء الذي يضمن له دخل ينفق به على احتياجاته واحتياجات أسرته. خلال الحوار مع أربعة أشخاص من سكان قرية الصيادين بين المؤيدين والمعارضين علي نقل الأهالي إلي المنطقة السكنية الجديدة المصممة لهم من قبل الحكومة كان هناك إجماع علي أن مساحة الشقق بهذه المساكن أصغر بكثير من مساحة بيتهم الأصلية علي الخندق.
الصورة اليمني: مكان المساكن الجديدة المصممة من المدينة لنقل أهل قرية الصيادين بها. الصورة اليسرى: المساكن الجديدة لنقل أهالي قرية الصيادين، المصدر الباحث.
مناقشة:
ما نستنتجه من النقاط السابقة أن المكس منطقة غير مخططة الاستخدام أي أن النسب بين المساكن والخدمات والشركات غير متناسبة، فالمكس حتى الان تتفاعل مباشرًا مع التغيرات التي تحدث كعوامل اقتصادية بطريقة غير مدروسة. على سبيل المثال، إزالة حصن الشفخانة وبناء مكانه منطقة سكنية تبعه بعض التغيرات لوضع خدمات بسيطة ولكن لم تنشأ خدمات أساسية مثل مستشفيات أو خدمات تعلمية متلائمة مع عدد الطلبة. أو عندما بنيت الشركات ولم يتم الاخذ في الاعتبار التلوث الناتج عنها وتلاصقها بمنطقة وادي القمر السكنية. أكثر منطقتين وضعهم حرج ويتطلب تدخل سريع هم منطقة وادي القمر وقرية الصيادين.
بالنظر الآن إلى الوضع الراهن بالمكان والمشاكل الحالية نجد ثلاث مشاكل رئيسية، أولاً مشكلة الخدمات العامة بالمكس فاتفق سكان جميع المناطق على غياب كثير من الخدمات، فطريق الكورنيش الرئيسي هو الوحيد المرصوف جيدًا وبه خطوط المواصلات العامة الوحيدة ولكن داخل المناطق السكنية البنية التحتية سيئة ولا توجد مواصلات عامة. وأيضًا الخدمات الصحية فلا يوجد مستشفى كبرى بالمكان ويوجد فقط مستوصف بسيط داخل وادي القمر. وبالنسبة للخدمات التعليمية والترفيهية كذلك يلجأ السكان للمناطق المجاورة كالورديان والدخيلة والعجمي.
ثانياً مشكلة وادي القمر والتلوث الناتج من المصانع وخاصة مصنع الإسمنت الذي بات تلوثه في الفترة الاخيرة لا يحتمل وظاهر جدًا على البيوت والأمراض التي تصيب قاطني المكان. هل يتم إزالة المصانع أم المساكن؟ وهل يمكن الوصول لحل يمكنه إبقاء المصانع والمساكن سويًا بلا أضرار كبيرة؟ على الرغم أن تاريخ تطور المنطقة يعتبر تعدي على حقوق السكان وأن من أقل حقوقهم هو نقل المصانع من المكان الحالي إلى منطقة صناعية أخري كبرج العرب أو العامرية ولكن هذا الحل يمكن أن تواجه الدولة صعوبات في تطبيقه بسبب التكاليف الكبيرة التي سوف تنفقها على نقل المصانع وعدم إمكانية توافر المساحات الكبيرة التي تحتاجها هذه الشركات في مكان أخر ونظرًا أيضًا انها حاليًا تشكل أكبر مساحة في المكس. في حين أن نقل السكان هو الحل الأسهل والأسرع والأكثر منطقية إلا أن احتياجات السكان لا يتم وضعها في عين الاعتبار حين يتم اختيار مكان السكن الجديد.
ثالثاً مشكلة سكان قرية الصيادين التي تكونت حول ترعة الخندق وهي ترعة ملوثة لأنها عبارة عن مصب لصرف الشركات. المكان في البداية كان مصرف ثم بدأ الصيادين الاستقرار حوله بطريقة لا رسمية وبنوا مساكنهم على الترعة مباشرةً ليضعوا المراكب أمام البيوت ومؤخرًا أوصلت الحكومة لهم خدمات البنية التحتية كالصرف والكهرباء مما يجعلهم يستقروا تمامًا في المكان. هي مساكن بناها الصيادين لسهولة حركة الصيد وصيانة السفن وصناعة الشباك أمام منزلهم التي تطل مصرف ترعة المحمودية ودورة حياة الصياد في المكان لها خصوصية حيث العمل بجانب المسكن فهو مكان حرفي بامتياز. لقد اجمع الأهالي عند التحدث معهم على تخطيط الدولة الدائم لنقلهم لسكن أخر واختلفت الاسباب المزعومة، إما بسبب الاعتقاد أن المساكن مهددة بالهدم لعدم صلاحيتها إنشائيًا أو عدم صلاحية المكان بيئيًا للعيش حيث ازدياد التلوث بالمصرف أو التطلع لجعل قرية الصيادين منطقة سياحية. وهنا أيضًا يطرح سؤال آخر هل سيصبح سكان المكس على نقلهم المفاجئ؟ ألا يمكن تقليل تلوث المصانع وتقنين رمي المخلفات؟ ولماذا لا يتم حوار حقيقي مجتمعي حول مشكلة يتم الجدال فيها باستمرار؟
ما تم استنتاجه أنه حتى الآن لا توجد آلية واضحة لتعامل الحكومة مع تلك المشاكل وغياب الشفافية يجعل السكان أكثر تخوفًا حول وضعهم، هل سيتم إزالتهم من المنطقة أو ترحليهم لأماكن لا تتناسب مع أسلوب حياتهم؟ فلذلك يجب أن يكون هنالك أرضية حوار مشتركة لحل مشكلة تضارب المصالح بين الحكومة والسكان والشركات وأن تتنازل كل الأطراف عن بعض شروطهم للوصول لحل وسط يلائم جميع أطراف النزاع. معظم السكان في المناطق السكنية المختلفة في المكس لم يعترضوا نهائيًا على فكرة النقل ولكن كانوا رافضين النقل في مكان لا يقدم لهم احتياجاتهم بل يشكل تحدي أخر من تحديات الحياة عليهم. فمثلًا في حالة مساكن القمر كانوا ضد نقلهم في مساكن عبد القادر لعدم توافر الأمان والخدمات الأساسية في المنطقة وأيضًا اعترض سكان قرية الصيادين فقط على نقلهم في أماكن سكنية بعيدة عن الشاطئ أو الخندق وعلى المساحات الضيقة للمسكن. وبناءً عليه فتحليل الدولة لاحتياجات السكان واستشارتهم في الأماكن المتاحة لنقلهم هو من الضروريات للوصول إلى حل وسط يوفر حياة كريمة للأهالي ولا يضع الدولة تحت ضغط الانفاق على مساكن جديدة ثم يحدث السيناريو المعتاد وهو عدم تناسب هذه المساكن مع احتياجات الأهالي الجدد وتترك في النهاية مهجورة ويعود ثانية السكان إلي مسكنهم القديم.
المراجع
– المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. (2015).
Egyptian Center for Economic and Social rights, (2015). El-Max: Venice of Alexandria from the marginalization to the displacement.
– الهيئة العامة للتخطيط العمراني. (٢٠١٤).
General Organization for Physical Planning, (2014). Strategic Urban Plan for
Alexandria City 2032.
جدران للفنون. (بدون تاريخ)
Gudran for Art and development. Gudran and El-Max. Retrieved from website http://gudran.com/main/?page_id=435, last visit 09 February 2017.
شركة الإسكندرية لإسمنت بورتلاند.
The Egyptian company for Portland Cement. History of the company. Retrieved from website http://www.apcc-eg.com/apcc-company/history/, last visit 01 February 2017.
شركة الإسكندرية للبترول.
Alexandrian company for Petroleum. About the company. Retrieved from website http://alex-petroleum.com/AboutUs.html, last visit 03 January 2017.
شركة الإسكندرية للزيوت المعدنية (اموك (.
Alexandrian company for Mineral oils. Retrieved from website http://www.amocalex.com/, last visit 09 February 2017.
شركة المكس للملاحات
El-Mex Salines Company. Retrieved from website http://www.mexsalines.com/arabic-index.html#collapseTwo, last visit 09 February 2017.
مركز الدراسات السكندرية
The Alexandrian studies center. Retrieved from website http://www.cealex.org/, last visit 03 January 2017.
– سليمان نور. (مايو، 2016) بالصور “…وادي القمر بالإسكندرية”… من مشفى صحي إلى بؤرة للتلوث.
– المركز المصري، (2016)، المكس.. فينيسيا الإسكندرية من التهميش إلى التهجير.
– للهيئة العامة للتخطيط العمراني, (2017), محافظة الإسكندرية.
– الباحث العربي، معجم لسان العرب، كلمة مكس.
http://www.baheth.info/all.jsp?term=%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%B3
محتوى هذا الموقع منشور بواسطة مبادرة التضامن العمراني بالقاهرة تحت رخصة المشاع الإبداعي: النسبة - غير تجاري - الترخيص بالمثل 3.0
Comments