في هذا السياق، عقد المركز المصري لدراسات السياسات العامة ندوة تحت عنوان “مناقشة التعديلات المقترحة لقانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008″ وذلك في 18 أكتوبر 2016. هدفت هذه الندوة للتعريف بماهية التعديلات التي أعدتها لجنة الإسكان بالبرلمان المصري، وتحدَّث خلال الندوة الدكتور محمد عبد الغني (أحد أعضاء البرلمان المصري المستقلين وعضو لجنة الإسكان بالبرلمان المصري)، وجاءت غالبية الحضور من الصحفيين وبعض الباحثين المهتمين بشئون العمران. خلال الندوة، تم عرض مقترحات وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية وما توصلت إليه لجنة الإسكان بالبرلمان المصري من تعديلات على القانون. تناولت التعديلات المقترحة بنود في باب تنظيم أعمال البناء وباب التخطيط العمراني. فالأولى ركزت على نقل تبعية استخراج رخص المباني من الوحدات المحلية لمكاتب استشارية مصنفة ومعتمدة للتسهيل على المواطنين والحد من آثار “فساد المحليات”، وكذلك تفعيل نظام الشباك الواحد للتسهيل على الجمهور، بالإضافة إلى ضرورة فصل الاشتراطات البنائية للقرى عن المدن بسبب اختلاف طبيعة الاثنين. أمًا التعديلات التي تخص باب التخطيط العمراني أشارت إلى إلزام هيئة التخطيط العمراني بعمل أحوزة عمرانية للقرى وتوابعها، حتى يستطيع المواطنون البناء دون مخالفات (عبد الغني، 2016). 2
ماهية التعديلات المقترحة
بدايةً، تلزم التعديلات المقترحة هيئة التخطيط العمراني (الهيئة اختصارًا) لإعداد مخططات استراتيجية وأحوزة عمرانية لجميع المدن والقرى. حيث تقدم المحافظات خلال 3 شهور من إقرار التعديلات الجديدة خططها للمدن والقرى التابعة لها، ومن ثم إتاحة فترة تتراوح ما بين 45 -60 يوم للهيئة لمراجعة وتعديل تلك المخططات واعتمادها دون عقد جلسات استماع للمواطنين ودون موافقة المجالس الشعبية المحلية للإسراع في اعتماد الأحوزة العمرانية. وعلى هذا، يصبح هناك مخططات استراتيجية وأحوزة معتمدة لجميع مدن وقرى الجمهورية خلال 6 أشهر من إقرار التعديلات. أمًا فيما يتعلق باستصدار رخص المباني، فيتم اعتماد مكاتب استشارية كطرف ثالث لمراجعة رخصة المبنى الذي يقدم عليها المواطن خلال 12 يوم، وذلك بناءً على الأحوزة العمرانية المعتمدة والتي يتسلمها المكتب من وزارة الإسكان عند اعتماده. وينحصر دور الحي في التصديق على التراخيص خلال فترة لا تزيد على الأسبوعين وفي حال لم تسلم التراخيص لأصحابها خلال المدة المحددة بدون أي سبب واضح، اعتبر ذلك تصريحًا بالبناء، وذلك لتقييد موظف المحليات وعدم إعطائه فرصة للتلاعب. وسيتم تحقيق تلك المدة الزمنية القصيرة من خلال نظام “الشباك الواحد” والذي يتيح للجهة الإدارية الصلاحيات اللازمة لإعطاء الموافقات خلال وقت قصير وذلك للتسهيل على المواطنين (عبد الغني، 2016). ولكن في المقابل سيتم تغليظ العقوبات على المخالف من المكاتب الاستشارية أو الملاك، حيث تصل أقصى عقوبة إلى 100 ألف جنيه والسجن (عبد الجليل، 2017). وعن الاشتراطات البنائية للريف، فسيتم فصلها عن المدن، حيث سيتم السماح ببناء أربعة أدوار دون التقيد بعرض الشارع ودون إصدار وثيقة تأمين.3 حيث سيتم تعديل القانون لرفع قيمة وثيقة التأمين للأعمال التي تبلغ قيمتها نحو مليون ونصف جنيه أو تصل لـستة أدوار بدلًا من مليون جنيه أو أربعة أدوار كما ينص عليها القانون الحالي (عبد الغني، 2016).
الآثار المتوقعة والنتائج المحتملة
تم وضع التعديلات السابقة على أمل أن تساهم في مكافحة الفساد داخل المحليات، والتسهيل على المواطنين في الحصول على رخص المباني، والإسراع في اعتماد الأحوزة العمرانية، وبالتالي الحد من عملية البناء المخالف (عبد الغني، 2016). ومن المتوقع – كما يزعم النائب معتز محمود (عضو لجنة الإسكان بالبرلمان) – أن تؤدي عملية تسهيل إصدار التراخيص إلى رفع ترتيب مصر العالمي كدولة جاذبة للاستثمار (عبد الله، 2016). ومن المتوقع أيضًا أن إحالة مهام إصدار رخص المباني إلى مكاتب استشارية معتمدة سوف يخفف على الجهاز الحكومي أعباء كثيرة مع احتفاظ الأخير بدوره الرقابي (عبد الجليل، 2016). إلا أن هذه الآثار المتوقعة يجب أخذ الحيطة منها. فالإسراع من عملية اعتماد المخططات الاستراتيجية والأحوزة العمرانية في الوقت القليل المحدد وبدون عرضها على المواطنين من خلال جلسات الاستماع وبدون موافقة المجالس الشعبية المحلية أولاً، لن يعكس الاحتياجات الفعلية للمواطنين وثانيًا، من المحتمل أن يفتح بابًا للفساد من خلال إدخال أراضي داخل الحيز العمراني مقابل رشاوي. أمًا عن إدخال المكاتب الاستشارية – والمرجح أن يصل عددها إلى 4000 مكتب – كطرف ثالث لإصدار تراخيص المباني بهدف مكافحة الفساد داخل المحليات، من المحتمل أن ينقل فساد المحليات إلى المكاتب الاستشارية. بالإضافة إلى أن ذلك المقترح لا يعطي حل جذري لمشكلة المحليات، حيث علل عاطف عبد الجواد (أحد أعضاء لجنة الإسكان بمجلس النواب) أن سبب انتشار الفساد في المحليات يرجع إلى تدني رواتب العاملين مع العلم أنهم يتعاملون في رخص بناء بملايين الجنيهات، مما يجعل بعضهم يقبل بالحصول على رشوة مقابل منح تراخيص غير مستوفاة للشروط (عبد الجليل، 2017).
رؤية تضامن
بدايةً، من الصعب اختزال عدم تأثر عملية البناء المخالف بشكل جذري منذ صدور قانون البناء الموحد عام 2008 بسبب قصور في مواد وبنود التشريع فقط، فهناك عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار لفهم التعقيدات التي أدت إلى هذا التأثير المحدود أو المنعدم على وتيرة البناء المخالف. فمن جهة، نجد – كما أشار علاء والي (رئيس لجنة الإسكان بالبرلمان) – أن هناك العديد من المناطق في شتى أنحاء الجمهورية، لم تحظ بالتخطيط العمراني، ولم تدخل هذه المناطق ضمن الأحوزة العمرانية المعتمدة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشكلة البناء بدون ترخيص أو البناء بالمخالفة لأحكام قانون البناء. لهذا يناقش البرلمان أيضًا مشروع قانون التصالح في بعض مخالفات البناء ذات الانشاء السليم والجيد بهدف تقنين هذه الحالات وتحصيل الغرامات المناسبة نتيجة هذه المخالفات بصورة تحقق عائدًا للدولة تمكنها من تطوير الخدمات العامة والارتقاء بمستواها في مختلف المحافظات (عبد الجليل، 2016). من المقبول أن يتم التصالح مع المخالفين مع وضع الشروط المنصوص عليها في مشروع القانون المقترح. لكن من الضروري ألا يتم استغلال العائد من التصالح بشكل مركزي وأن يتم أولًا تطوير البنية الأساسية والخدمات وزيادة طاقتها الاستيعابية بما يتناسب مع الأحمال التي أضافتها تلك المخالفات.
من جهة أخرى، نجد أن قانون البناء الموحد لم يتم تطبيقه بشكل كافي. حيث أخذت عملية إعداد مخططات استراتيجية وتحديد الأحوزة العمرانية للمدن والقرى وقت طويل تعدت في بعض الأحيان ثلاث سنوات، الأمر الذي يجعلها غير مواكبة للتطورات ويفتح الباب للبناء المخالف خلال إعداد المخططات. مع العلم أن المادة 13 من القانون نصت على أن يتم مراجعة وتحديث تلك المخططات كل خمس سنوات على الأكثر لضمان ملاءمتها للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية. لذا نجد أن إضافة محدد زمني في القانون لعملية إعداد المخططات الاستراتيجية يزيد من كفاءة هذه العملية، ولكن لا يجب أن يُجير هذا المحدد الزمني على المشاركة الشعبية لإعداد المخططات. وأخيرًا، فيما يتعلق “بمكافحة فساد المحليات” والتي منوط بها عملية إصدار التراخيص، فإحالة هذه العملية إلى مكاتب استشارية معتمدة لا يكافح الفساد فعلياً بل يُسكّنه، وهذا لا يعفي الدولة من دورها في استحداث وتفعيل آليات رقابة على عملية البناء وفي المقابل رفع كفاءة العاملين بالمحليات وكذلك رواتبهم. حيث أكدت المهندسة نفيسة هاشم (رئيسة قطاع الإسكان بوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية) على أن “القانون في حاجة إلى تفعيله أكثر من الحاجة للتعديل” (الجوهري، 2014). وإلى أن تدخل هذه التعديلات في حيز التنفيذ (أو لا)، ينبغي علينا الإشادة بمثل تلك الندوات – التي عقدها المركز المصري لدراسات السياسات العامة – والتي تتناول عرض التشريعات أو تعديلاتها على المجتمع قبل إقرارها.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments